زاد الاردن الاخباري -
بسام البدارين - ساعات فقط فصلت زمنياً وسياسياً بين إعلان الأردن رسمياً بأنه «لن يسمح» لإسرائيل ولا لأي طرف آخر باستعمال المجال الجوي للبلاد لضرب أي دولة في المنطقة، وبين إعلان وزير الدفاع الإسرائيلي بأن «سماءات المنطقة برمتها تحت إمرة سلاح الجو الإسرائيلي».
وساعات أقل فصلت أيضاً بين إعلان أردني واضح لا لبس فيه بأن الأراضي الأردنية لن تكون مسرحاً لاحتراب أي دول، وبين الخطة التي أعلنها وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير وخصم الأردن الدائم بخصوص حسم الإشراف المباشر على المسجد الأقصى.
عندما يتعلق الأمر بالمقاربات التي تملأ فضاء الأردنيين هذه الأيام والتساؤلات التي تشغلهم، يرصد الجميع بأن إفصاحات وصياغات وزير الخارجية أيمن الصفدي لشرح ما حصل ليلة الهجوم الصاروخي الإيراني قابلها بلا وازع حملة منظمة من الإعلاميين الأمريكي والإسرائيلي، تعبث بعقول الأردنيين ومشاعرهم. وركز إعلام إسرائيل بصورة «محرجة» على وجود «شركاء عرب» في الإقليم ساهموا ليلة الهجوم الإيراني في «الدفاع عن إسرائيل».
وليس سراً أن هذه الإعلانات الدعائية الإسرائيلية لامست بخبث حساسيات الرأي العام الأردني، كما يقدر السياسي مروان الفاعوري وهو يبلغ «القدس العربي» بأن «الرواية الإسرائيلية» التهمت الرواية الأردنية جراء غياب الإعلام الرسمي الأردني المقنع الفاضح.
لم يعد الأمر وسط نخبة عمان يتعلق بـ «موت سريري» لرواية الإعلام الرسمي بقدر ما يتعلق بمستوى متقدم من «الغموض» والإحراج وبـ «فراغات» استغلها إعلام تل أبيب بصورة لا تنم عن تقدير ولا عن رغبة في الحفاظ على أي شراكة أو حتى تحالف، خصوصاً عندما قدم سعي الأردن لـ «الدفاع عن سلامة وسيادة أجوائه» وكأنها «مساعدة حظي به الكيان» علماً بأن المجريات العملياتية لا تقول بذلك.
أقر مسؤول بارز في الحكومة الأردنية تحدثت معه «القدس العربي» مساء الثلاثاء، بأن إعلام إسرائيل «يكذب ويفتري» منهجياً في تفصيلات ليلة الهجوم الإيراني، لكنه أقر بالمقابل بأنه لا يعلم سبباً للصمت على تلك الأكاذيب والحرص على تجنب الرد عليها.
القاعدة الدبلوماسية المتبعة في الأردن بخصوص إسرائيل هي تجنب الرد على ما تذكره تقارير الإعلام، والحرص على الرد فقط على التصريحات الرسمية للمسؤولين في حكومة الاحتلال عندما «تتحرش» بالمصالح الأردنية.
وزير الحرب الإسرائيلي: سماءات المنطقة برمتها تحت إمرة سلاحنا
لكن هذا النمط في إدارة الملف لا يأخذ بالاعتبار أن رواية الصحافة الإسرائيلية وتفسيراتها تملأ فراغات سردية الأردنيين، ولا تجد رواية مقابلة تفندها أو تقلل من شأنها؛ بمعنى أن الشارع الأردني يتغذى اليوم على فتات «الشائعات والتسريبات» الإسرائيلية التي تصر البيانات الرسمية في عمان على التعاطي معها فقط من زاوية معلبة، فكرتها «عدم الإصغاء وأخذ المعلومة من المصادر المختصة».
لكن تلك المصادر المختصة لا ترد ولا تقول معلومات يحتاجها المواطن الأردني بإلحاح أكثر اليوم، خصوصاً بعد استمرار الجريمة في غزة. وما لوحظ سياسياً بالتوازي، أن ظاهرة «الصمت الرسمي» وهي تزعم عدم التعليق على ما تنشره صحف تل أبيب، تسترسل فلا تعلق على ما يرد أيضاً على لسان مسؤولين بارزين في هرم حكومة اليمين، مثل الوزيرين غالانت وبن غفير.
كلاهما- أي غالانت وبن غفير- أطلق تصريحات علنية تستوجب وتستحق الرد، لا بل تتحرش بالمصالح الأردنية مباشرة، بعد ساعات قليلة على «جدل ليلة الهجوم الإيراني» بخصوص دور الأردن في التصدي دفاعاً عن ذاته، بحيث «استفادت» إسرائيل في المحصلة.
ما قاله غالانت وهو يعارض علناً «الموقف الأردني» بعنوان «كل سماوات المنطقة تحت إمرتنا» جملة مناكفة تساهم في تصغير أكتاف الأردن وإحراج حكومته خلافاً لأن معايير الرد الرسمي تنطبق هنا فيما لم تفعل الحكومة ولم ترد أو حتى تعلق.
غالانت ليس منبراً إعلامياً، بل صاحب قرار في كيان الاحتلال، وتعليقاته بخصوص أجواء الدول في المنطقة تستوجب رداً أردنياً من الطراز المدروس الذي يعيد ترقيم وتسمية المسائل لصالح السردية الأردنية. لسبب غامض «فوتت» حكومة عمان فرصة الرد على غالانت الذي ناكفها. ولسبب غامض أيضاً تقرر وزارة الأوقاف الأردنية تجنب الرد على بيان رسمي تضمن خطة بن غفير الجديد بخصوص الوصاية الأردنية والمسجد الأقصى.
ما اقترحه بيان بن غفير بكل بساطة إجراءات محددة تخضع المسجد في القدس تماماً لسيطرته الأمنية، وتزيد من كادر شرطة الاحتلال على حساب كادر حراس الطاقم الأردني، والأخطر ـ في رأي الفاعوري ـ هو إعلان بن غفير بأنه سيسمح لليهود بالصلاة في باحات المسجد الأقصى.
مع تكريس التقسيم الزماني والمكاني، قدرت عضو البرلمان سابقاً الدكتورة ديمة طهبوب في حوار راقبته «القدس العربي» ظهر الأربعاء، بأن مسلسل «تقويض الوصاية» يواصله اليمين الإسرائيلي.
لافت جداً هنا أن بن غفير يريد ضمناً أن يقول باحتفاظه للعداء تجاه الوصاية والوصي الأردني حتى بعد ليلة الهجوم الإيراني وتفصيلاتها، في رسالة خشنة وقاسية ولا تنطوي بالتأكيد على حد أدنى من الاحترام، وأخطر ما فيها أنها توحي بأن رأي دعاة التخلص من عبء العلاقة مع إسرائيل والتشكيك بنتائج أي تفاهمات مع إسرائيل اليوم هو الأرجح والأصوب، وقد يصبح هو الرأي الوطني أكثر بعد «تجليات التكيف» الأخيرة.
قدم الوزيران غالانت وبن غفير بسرعة غريبة أدلة على أن حكومة الكيان ليست بصدد «تعديل أو تصويب» موقفها العدائي من المصالح الأردنية… ذلك برز بعد ساعات فقط من حفلة النميمة والإشادة التي غرقت بها صحافة إسرائيل وهي «تشوه» ما حصل في سماء الأردنيين ليلة الهجوم الإيراني. قد يعني ذلك الكثير حتى وإن قررت تيارات التكيف في عمان تجاهله في إنعاش الرهان القديم على «ضمانات مع الجزء العميق في الكيان».
وقد يعني شعبياً أكثر بكل بساطة؛ لأنه يثبت مجدداً أن يمين إسرائيل الحاكم لم يحترم في الماضي ولن يحترم أي تعهدات مع الأردن رغم كل تضحيات عمان التي استفاد منها الكيان بانتهازية موجعة قبل تشويهها. في سلوك غالانت وبن غفير السريع «رسالة» بإيقاع عميق لا بد من التقاطها.
«القدس العربي»