زاد الاردن الاخباري -
اتخذت رنيم ذات الخمسة عشر ربيعا قرارا يقضي بالتوقف عن تناول الأكل منذ السادسة مساء وحتى الصباح، رغبة في إنقاص بعض الكيلوغرامات من وزنها لتصبح كعارضات الأزياء العالميات.
اعتقاد رنيم بأن التوقف عن الأكل سيجعلها نحيلة وجميلة، جاء من خلال النصيحة التي قدمها أحد البرامج التلفزيونية الشهيرة.
وطبقت رنيم النصيحة من دون معرفتها بأن المرحلة العمرية التي تمر بها تتطلب تناول المواد الغذائية المخلتفة لتنمو بطريقة صحية.
ورنيم واحدة من بين مئات المراهقات اللواتي يعشن صراعا ذاتيا للحصول على جسد نحيل جدا، وهو أمر يعود، بحسب خبراء، إلى تأثير وسائل الإعلام الغربية على عقول هذه الشريحة الكبيرة.
وكان الغرب قد تنبه إلى موجة ظهور عارضات أزياء مفرطات في النحافة في عروض الأزياء العالمية، مما دفع الحكومة الاسبانية إلى منع مشاركة عارضات الأزياء شديدات النحافة في أسبوع مدريد للموضة.
ويعتبر أسبوع الموضة في العاصمة الاسبانية مدريد من أرقى عروض الأزياء العالمية، وخضعت كل العارضات المشاركات لاختبار يفحص الفرق بين الطول والوزن ليكون الناتج رقما يدعى الـBMI، ولا يجب أن تتخطى العارضة رقما معينا، لتثبت أن نحافتها لا تؤثر على صحتها لتتمكن من المشاركة في أسبوع الموضة.
وأخفقت نحو 30% من العارضات في اجتياز الرقم المعقول، والهدف من وضع هذا الشرط، وفق الحكومة الإسبانية، هو عرض مثال صحي لعارضات الأزياء اللواتي تتقمصهن المراهقات.
رند طوال، عارضة أزياء تعرض مع وكالة لانا بشارات منذ العام 2002، تقول إنها لا تحس بضغط لتبدو أنحف من الطبيعي، لأن المجتمع وأصحاب وكالات الأزياء والمصممين يدركون أن المقاييس لدينا مختلفة كليا.
ولا تحرص رند على نحافة زائدة بقدر ما يهمها بأن يكون جسمها متناسقا وجميلا عندما تصعد على المنصة أمام الناس من خلال ممارسة الرياضة وتناول الطعام الصحي المتوازن، رائية أن تأثير العارضات على المراهقات أمر طبيعي على مر التاريخ.
وتأثير عارضات الأزياء لا يقتصر على المراهقات فحسب، وفق قول مصممة الأزياء هناء صادق، التي تذهب إلى أنه امتد ليشمل النساء اللواتي أصبحن يقضين أوقاتهن في النادي الرياضي للوصول إلى نحافة عارضات الأزياء.
وتراعي صادق مقاييس الأجسام العربية التي "يختلف توزيع الشحوم بها عن الجسم الأوروبي"، وتعتقد أن المرأة العربية "عليها مراعاة قدرات جسمها عند ارتدائها للملابس".
وتقول صادق، التي بدأت بالعرض في الدول الأوروبية منذ العام 1997، إنها ومنذ ذلك الوقت، تطلب عارضات أزياء بقياس 38 أو 40، وكان هذا الأمر من المستحيلات في السابق، حيث كانت تواجه بالرفض من وكالات الأزياء التي عادة ما تستخدم عارضات بقياس 34 أو 36، ويتم تفصيل الملابس في عروض الأزياء على هذه القياسات.
وتغيُّر الحال في أوروبا في الأعوام الأخيرة، كما تقول، غير نظرة الوكالات وأصبحت تستخدم عارضات بمقاسات أكبر مثل 38.
صاحبة أول وكالة لعرض الأزياء في الأردن، لانا بشارات، تشير إلى أن المقاييس الجسدية في الأردن تختلف عن تلك الموجودة في الغرب؛ فالعارضات في الخارج يخضعن لتقييمات للوزن والطول لا يصلح تطبيقها على طبيعة أجسام العربيات.
وهذا ما تأخذه بشارات بعين الاعتبار عند انتقاء عارضاتها، وتعتبر أن "الطلة الجميلة والجذابة أهم من عنصر النحافة، فهما مقياسا الجاذبية عندنا كعرب".
ويرغب المصممون المحليون، بحسب بشارات، في عرض تصاميمهم على عارضات يمتلكن جسدا طبيعيا، مبينة أن "التصاميم لن تبدو منطقية بالنسبة للزبائن، إذا عرضت على فتيات كالهياكل العظمية".
وتبين أن هنالك توجها في الأردن لإحضار عارضات أزياء نحيفات جدا ومعظمهن روسيات، لأن هذه المقاييس غير موجودة عند فتيات العرب.
ولا يقتصر تقليد المراهقات في الحصول على جسد نحيل على عارضات الازياء فحسب، بل يمتد إلى مشاهير هوليوود.
فأسيل، ذات الثمانية عشر عاما، تقول إن مثالها الأعلى في النحافة الممثلة الأميركية جينيفر أنيستون، وهو أمر يدفعها إلى الذهاب للنادي الرياضي يوميا للحصول على جسد مشابه لأنيستون.
وتأثير مشاهير هوليوود، كما تقول بشارات، أكبر من تأثير عارضات الأزياء، بحكم تكرار المشاهدة للفنانات بشكل أكبر من العارضات عبر الأفلام والمسلسلات الأميركية التي تعرض على مئات القنوات الفضائية.
وتحدي المراهقين الأكبر خلال فترة المراهقة هو تحديد هويتهم وما سيكونون عليه، بحسب اختصاصي الأمراض النفسية والعصبية د. جمال الخطيب، وهذا ما يدفعهم للجوء إلى النموذج الذي يرونه أمامهم ومحاولة تقمصه، وبما أن هذا النموذج يأتي غالبا من التلفزيون ووسائل الإعلام حاليا أكثر من النماذج الآتية من الأسرة أو المجتمع المحلي، فمن الطبيعي تقليده.
وتأثير عارضات الأزياء على المراهقات، وفق قول الخطيب، يسبب لديهن أمراضا؛ مثل البوليميا والاناركسيا.
وهذا ما تخشاه رنا، والدة كل من رنيم وأسيل، وأن تتطور لديهما حالة التقمص، وما ستجنيانه من أمراض ومشاكل صحية.
وحول المرضين، يقول الخطيب إن أحد التفسيرات المؤدية للإصابة بالمرض هو أن المراهقات يرين أن قيمتهن تنبع من شكل الجسم ونحافتهن، الأمر الذي يمكن أن يتطور إلى حالة مرضية.
والاناركسيا مرض نفسي يصيب الناس، بحيث يشعرون دوما بأنهم يعانون من زيادة في الوزن، فعندما ينظرون الى المرآة، لا يشاهدون الشكل الحقيقي للجسد، ويرونه ممتلئا، ما يجعلهم يمتنعون عن تناول الطعام كليا.
أما البوليميا، فهو مرض نفسي أيضا، لكنه يدفع المصاب إلى تناول الكثير من الطعام ثم القيام بإخراجه من الفم قسرا.
ولا تجد صادق ضيراً في محاولة بعض السيدات الوصول إلى النحافة الأوروبية، شريطة القدرة على المحافظة على الصحة.
جوهر القضية يكمن في أهمية التثقيف الغذائي، بحسب اختصاصية التغذية ربى العباسي، الأمر الذي يؤكده الخطيب، ويقول "على المراهقات تعلم طريقة حساب الوزن المثالي المعتمدة عالميا عن طريق الوزن والطول؛ أي الـBMI".
وتقول العباسي إن المراهقة تمر بتغيرات في شكل الجسم تجعلها تعتقد بأنها سمينة، وفي هذه الحالة، يلجأ اختصاصي التغذية إلى إعطائها نظاما غذائيا صحيا ومتوازنا يضمن حصولها على العناصر الغذائية الرئيسية، ولا يهدف هذا النظام الى خسارة الوزن أكثر مما يتعمد ضمان الحصول على العناصر الغذائية، بدلا من أن تحرم نفسها من الطعام الذي يقدم في منزلها في العادة.
ولا تتعلق المشكلة تلك بتأثير العارضات والمشاهير، فأم أحمد فقدت ابنتها قبل نحو 15 عاما إثر أصابتها بمرض البوليميا عندما تأثرت نفسيا بسبب طلاق والديها.
يقول الخطيب "هذه النظرية موجودة عند بعض الأطباء الذين يستشهدون بإصابة بعض الناس بمرض البوليميا في القرى والأماكن النائية الذين لا يشاهدون التلفزيون".
وتلعب ثقافة الأهل دورا كبيرا في هذا الموضوع، بحسب العباسي، حيث يتأثر المراهق بعادات أهله الغذائية خصوصا في الصغر، إذا كانت تعتمد على الإفراط بالدهون والسمنة.
وتضيف "بعد ذلك يصبح سمينا، ويبدأ برفض هذه العادات عندما يكبر ويريد أن يصبح نحيفا، فيضيع في هذه الدوامة".
وتنصح العباسي الأهل بالانتباه إلى تغذية أطفالهم ومراقبة مدى تأثرهم بوسائل الإعلام التي تعرض نماذج لنحافة غير صحية وتثقيفهم بالأمر.
من جهتها، تدعو المدربة الرياضية، ريما عامر، الفتيات إلى اتباع تمارين القلب؛ مثل الركض، والابتعاد عن حمل الأوزان، واتباع نظام غذائي صحي جيد من خبراء، للوصول إلى الوزن المثالي والصحي.
لبنى عصفور / الغد