قليل يرشح عن تطورات مفاوضات الهدنة بين إسرائيل وحماس. آخر القراءات تشير إلى خطة مرحلية تتضمن وقف العمليات العسكرية دون إعلان لوقف الحرب، مقابل إطلاق سراح الرهائن على مراحل أيضا.
مصير قيادة حماس في غزة ليس جزءا من المفاوضات، رغم استمرار تداول أفكار عن احتمالية خروج آمن لهم من غزة مع ضمانات بعدم ملاحقات قانونية، أو بقائهم مع تنحيهم عن السلطة وتسليمها لتكنوقراط فلسطينيين يديرون غزة، وثمة احتمال ثالث أن يبقوا بالشكل الذي يريدون ويكون للغزيين قرار قبولهم من عدمه، وعندها سيكون عليهم مواجهة تحدي إعادة الإعمار الذي لا يبدو سيكون ممكنا في ضوء التوقعات بعزلة هائلة لحماس إقليميا ودوليا.
كل هذه الاحتمالات متوقعة تتشابك فيها المصالح والأهداف والإمكانات، والمشكلة العميقة المؤلمة أن الشعب الفلسطيني هو المتضرر الأكبر يستمر بتكبد معاناة إنسانية كبيرة جراء استمرار العدوان ووحشية الظروف المعيشية.
هذا تماما ما يحدث، أطراف الصراع تتفاوض فيما تستمر معاناة الفلسطينيين العزل الذين كل ذنبهم أنهم يريدون العيش بأمن واستقرار وكرامة ويمارسون حقهم في تقرير المصير كباقي شعوب وبشر الأرض.
في إسرائيل، يختلط الاستراتيجي مع الانتخابي. الحكومة تسير بخطى تحرص دوما على أن تحقق لها مكسبا دعائيا انتخابيا، وليس بواردها الاستماع لمنطق الأمر استراتيجيا، وفي الأثناء تستمر بخسارة معركة الصورة والانطباع والرأي العام، كان آخر ساحات ذلك الجامعات الأميركية العريقة، التي حولت صورة إسرائيل لتكون مثل جنوب أفريقيا إبان التمييز العنصري.
ليس بوارد هذه الحكومة أن تتصرف بعقلانية غير شعبوية حتى لو كان ذلك هو الأساس الحقيقي لتحقيق الاستقرار وإنهاء الحرب، ولو كان ذلك بواردها لقامت باتخاذ الخطوات الحقيقية التي يجب أن يتم اتخاذها، ولتعلمت الدروس السياسية من جراء الحرب في غزة.
ليس بوارد حكومة نتنياهو أن تدرك أن الجيرة الجيدة ومعاهدات السلام مع الجوار هي ضمانة الأمن والاستقرار وليس الأسلحة الفتاكة والجيوش الجرارة وخطوط الدفاع المحصنة، وليس بواردها فهم أن استمرار احتلال شعب أعزل يحولها لدولة مارقة مخالفة للقانون الدولي، وهذا يجلها تخسر التعاطف الدولي التاريخي الذي حظيت به، وليس بوارد حكومة نتنياهو أن تدرك أن قيام الدولة الفلسطينية ليس فقط حقا مشروعا لملايين من الشعب الفلسطيني وجوهر قضيتهم، ولكنه أيضا مصلحة لإسرائيل لأنه من دون هذه الدولة ستتحول إسرائيل لدولة فصل عنصري أو ستبتلعها الديموغرافية السكانية.
كل هذا ليس بوارد حكومة إسرائيل، وهي لا تفهم إلا لغة الرواية الدينية خاصتهم أن الأرض لهم لا بد من طرد الفلسطينيين منها، فهؤلاء الفلسطينيون غزاة يستحقون الطرد والموت، وفي معرض تبني ودعم هذه الرواية، ستحصل الحكومة على تعاطف وأصوات المتدينين اليمينيين من الإسرائيليين. هذا هو عقل هذه الحكومة وتلك هي رؤيتهم وبصيرتهم، ما يجعل أفق الحل الاستراتيجي غير وارد بالمطلق، ولا يمكن أن يحدث إلا من خلال حكومة تدرك أن القيادة تعني اتخاذ القرار الصحيح حتى لو لم يكن شعبويا.