د.حازم قشوع - هو برنامج أطلق فى عهد الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون والذي عرف بقائد الوالسونيه في الحزب الديموقراطي والذي حكم على فترتين ما بين (1913 - 1921) حيث اطلق فى الفترة الثانية عام 1917 خزان للفكر الانطباعي عرفت بهيئة الرأى العام (Committee on public information) الهيئة التى تم إنشاؤها لإعادة توجيه الرأى العام تجاه المشاركة فى الحرب العالميه الكبرى بعدما كان الرئيس ويلسون رشح نفسه على أساس عدم المشاركة بهذه الحرب لضرورة النأي بالنفس عن هذه الحرب التى تقع فى العالم القديم البعيد بجغرافيته عن أمريكا لكون هذه المشاركة ستؤدى لهدر الموارد البشريه والماليه وسيكون لها انعكاسات سلبية على الاقتصاد الأمريكي.
الا ان ظروف الحرب العالمية الكبرى جعلت من موقف الرئيس ويلسون يتغير بعدما تغيرت ظروف المعارك الدائرة هناك والتى كانت فى مواجهة القائد الالماني ادولف هتلر و ما جعل من ميزان الأحداث ينقلب رأس على عقب وبات البيت الأبيض يفكر بكيفية تغيير توجهات الرأي العام لتكون تجاه المشاركة فى الحرب الأمر الذي جعل من الرئيس ويلسون يعمل على تشكيل هيئة تساهم بإعادة تغيير توجهات الرأي العام لتكون منسجمة مع التوجهات الرئاسية الجديدة للبيت الأبيض وهى ما عرفت بال (propaganda) وهو البرنامج الذى استطاع بناء استراتيجية إعلامية احدثت رسالة موجهة للمجتمع الأمريكي عملت على تغيير توجهاته لتضعها بالهالة المستهدفة وذلك عبر تصميم آليات برامجية تقوم على بناء حواضن جاذبة للنهج الجديد لتساهم بنهاية المطاف بإعادة صياغة الأفكار العامة السائدة عن الحرب و ما تحمله من سلبيات إلى منزله ضرورة المشاركة فى محاربة عناوين التطرف والاستبداد الذى يمثله القائد الألماني هتلر حيث استطاعت هذه الهيئة اأن تدخل الرئيس الأمريكي ويلسون في الحرب العالمية الكبرى بسلاسة وبحواضن داعمة.
البروباغاندا الإعلامية التي استطاعت تغيير الرأي العام الأمريكي من السالب للموجب جعلت من الوسائل التي استخدمتها بهذه الاستراتيجية من آليات دعائية وإعلامية تشكل قاعدة للصناعة الإعلامية التي جعلت من الفيلم السينمائي يرسى ذات الفكرة التي تطرحها الصحف المقروءة أو الراديو المسموع فى الحاضنة الفكرية عند المجتمع الأمريكي وهو الذى أدى بالمحصلة لتغيير الأفكار السائدة عن الحرب وظروفها إلى ضرورات تستدعي المواجهة و تسترعي المشاركة عندما قامت الوسائل الإعلامية بالانتشار الافقى للتغيير وقادها لتحقيق انتصارا كبيرا اصبحت فيه الولايات المتحدة قوة عظمى الأمر الذي جعل من البروباغاندا تتحول لصناعة إعلامية و تصبح الاستراتيجية الاعلامية ملاصقة لكل القرارات السياسية قبل صدورها وأثناء تنفيذها وبعد اسقاطها في الحواضن المستهدفة لبيان مسألة التغذية الراجعة.
ولعل النجاح الحكومي الذي تحقق من جعل القطاع الخاص يحذوا حذو العمل العام فى تسويق المنتجات بهدف خلق هالة انطباعية تقوم على تسويق المنتج حتى قبل إنتاجه وأثناء تصنيعه وفي فترة تسويقه وهو ما جعل من معظم الشركات الرائده تهتم بعلم التسويق وتخصيص مديريات مركزية في هيكلتها العامة تدرس احتياجات السوق قبل التصنيع وتعمل لاستنباط الرسالة الدعائية وعناوينها من الحواضن المجتمعية المستهدفة وتختار الوسيلة الأفضل لاطلاقها بناءا على الاستراتيجية التسويقية المعدة لهذه الغاية .
الأمر الذي جعل من البروباغاندا تعتبر أحد أهم الروافع الرئيسية لنجاح الشركات وأصبحت منهجية عملها تقوم على تشكيل العلامة الفارقة الإنتاجية التي تستند لسمة الثقة وهي العلامة التي تستهدفها الشركة في الوصول لثقة المستهلك بهدف توسيع القاعدة الافقية للمنتج وجعل العلامة الفارقة الإنتاجية تشكل مركزا للنفوذ يصعب على أي منتج توسيع دائرة انتشاره من دون اخذ الموافقة الضمنية من هذه المنظومة العالمية المناط بها معظم العلامات الإنتاجية مهما حملت من أوزان خدماتية أو صناعيه.
ولأن الطابع البنائي للقطاع الخاص والقطاع العام يستهدف بناء هالة انطباعية لتحقيق علامة الثقة فإن العمل للاهتمام بهذا العامل يعتبر أساس فى تحقيق درجة الاستهداف وهو العامل الذي يتطلب الابتعاد عن الفزعه فى بناء التصور المستهدف و يستلزم الدخول في أتون العمل الاستراتيجي الخلاق لتعظيم درجة الفائدة المرجوة كونه يستهدف بشكل مباشر بناء هالة الثقة للدولة التي بدورها ستدعم كافة منتجاتها وهذا ما يمكن ملاحظته من حالة الاقتران العضوي بالاوزان بين هالة الدولة وعلامة المنتج فالساعة السويسرية تحمل علامة جوده مميزه كما السيارة الألمانية كذلك والمنتج الفرنسي من العطور الذي يعتبر الأفضل عالميا كما الملابس الايطالية والمنتجات الأمريكية بصفة عامة.
هذا لأن حالة الانطباع التي تميز الدولة جاءت نتيجة تلك الهالة التي كونت علامة الثقة عند المستهلك على امتداد الكرة الأرضية و تنوع مشارب مجتمعاتها، وهو العامل الذي من المفترض أن تقوم الدولة اولا ببنائه لأحداث جملة البيان المنشودة على صعيد جلب الاستثمارات وبناء حواضن العمل مهما كانت سياقاتها خدماتية أو تصنيعية او جاءت لترسم المنظار الكلى لبيان الصورة الشمولية للدولة في مساراتها الانتخابية أو في هيكليتها الإدارية أو حتى في منظومة عملها الكلية.
فهل آن الاوان لتشكيل هيئة الرأي ومأسسة برنامج البروباغاندا فى الحواضن الوطنية فإن الظروف الموضوعية أصبحت تستوجب ذلك وهذا ما بينته حرب غزة بكل محطات تكوينها لأن الرسالة الاردنية بالرغم من قوة حضورها إلا أن دوائر حواضنها مازالت محدودة، وهو ما يعزيه بعض المتابعين لعدم وجود استراتيجية إعلامية تجيب عن كل الأسئلة و تعمل لبناء هالة وطنية نريدها لتشكيل الهالة الانطباعية وعلامة الثقة المستهدفة.
فعلى الرغم من الدور السياسي المميز للدولة الاردنية والعمل الدبلوماسي الذى فاق التوقعات والأداء الإنساني الريادي وكذلك الشعبى الا ان الهالة الأردنية لم تستطع من تسييل هذه الرسالة للدرجة المطلوبة الأمر الذي أصبح بحاجة لإعادة بناء قوام المنظومة الإعلامية وتغيير منازل عملها لتكون استراتيجية نبتعد فيها عن سياسة الاحتراز ومناخاتها الضاغطة ونقوم بتشكيل رافعه إعلامية موجهة بدلا من أن تكون ارضية مستقبله دورها الأساسي يستند للتحليل لبيان المصدر.
وهذا ما بحاجة لبناء استراتيجية عمل للمنظومة الإعلامية تجعلها تعمل بنسق واحد وبشكل أفضل وسليم ... وذلك عبر تشكيل هيئة لتوجيه الرأي العام، لأن الظروف الموضوعية القادمة قد تدخل المنطقة بمتغيرات عميقة لن تفيد معها الوسائل النمطية السائدة وآليات التجديف المصنعة بذات الأدوات التقليدية هذا لأن البحر باتت حواضنه ليست مائيه بل هوائية فى عالم الانطباع بفعل نماذج البروباغاندا.