تابعت تقريراً عن عديد من المواقع السياحية العالمية المشهورة التي تعاني من كثرة المرتادين لها من السائحين بحيث يصل عديدهم لملايين البشر الذين يريدون قضاء وقت والاستمتاع بتلك المواقع دون الالتفات لما تسببه تلك الأعداد الهائلة من استنزاف للبيئة وإنهاكها عبر الاستخدام المتكرر والجائر لمقدرات ومرافق وتسهيلات تلك المواقع.
إن السائح بما يتسم به من سمات تتمثل في أنه يسعى لتحقيق أقصى ما يمكنه من الاستفادة السياحية، دون أن يعي أو يضع في حسبانه ما يدعى بالاستدامة وديمومة الخدمات، هناك من الأنانية لدى السائح أنه يعتقد بأن من واجب الدولة ومواطنيها عدم إزعاجه بأية مناظر أو مواقف تشوّه خطته السياحية، فهو يريد المثالية طيلة مدة إقامته سواء من البشر أو المرافق أو الخدمات التي يتلقاها، كما أنه ليس معنياً بما يخلّفه جرّاء زيارته لهذا الموقع أو ذاك واستخدامه لمرافقه وتجهيزاته.
المفارقة أن هناك جزءاً من مسؤولية الحفاظ على المواقع السياحية يعود على الدولة نفسها من حيث توفير البنى التحتية المصاحبة والمساعدة بالحفاظ على بيئة صديقة للسياحة، فلا يعقل فتح مواقع سياحية للزوّار دون إيجاد مرافق صحية جيدة وبأماكن مناسبة، دون توفير مقاعد مريحة للجلوسن دون توفير ممكنات مساعدة للأطفال وكبار السّن وذوي الإعاقة والمرضى، دون مراعاة وتحديد الأوقات للاستفادة والانتفاع بالمواقع السياحية.
إن هناك قصورا واضحا في الثقافة والوعي السياحي لدى أبناء المواقع السياحية ولدى الزائرين لها، فلا هؤلاء يقدرون جيداً قيمة الموقع السياحي الذي يقيمون بجواره، ولا أولئك معنيون بغير الاستمتاع بالمناظر أو التسهيلات في الموقع ومغادرته دون الالتفات لما يخلفونه وراءهم من كوارث بيئية بمعنى الكلمة.
إن الرغبة لدى معظم الدول بزيادة عديد السائحين المحليين والخارجيين بهدف زيادة الإيرادات السهلة المباشرة التي تضخ في أوردة الدولة وقطاعاتها المختلفة، ينبغي أن تترافق تلك الرغبة بإيجاد توازن مع فكرة الاستدامة والحفاظ على المواقع السياحية، والنظرة القصيرة القاصرة التي تهدف إلى تحصيل أكبر عائد دون العناية بمفهوم الاستدامة ، هي نظرة تؤدي إلى تقصير عمر البنى السياحية وعدم مقدرتها على الإنتاجية الإيجابية.
إنه كما تلتفت الدولة لمفهوم « الرعي الجائر» عليها أن تتبنى مفهوم « السياحة الجائرة» التي تنتهك المقدرات وتصر من عمرها الفعّال ومن جودة إنتاجيتها وما تقدمه من خدمات سياحية. هناك الكثير من المواقع السياحية العالمية الشهيرة التي أصبحت تصدم السائحين بما آلت إليه حالتها الرثّة الكئيبة والعوز لإعادة الترميم الثقافي السياحي، لقد تلوثت تلك المواقع عبر التركيز الشديد على ذات الغايات التي تروّج لها مواقع التواصل وما يدعى بالمؤثرين من الجوّالين في دول العالم بشكلٍ مجاني بذريعة الترويج السياحي، فيتدفق الالاف من السائحين في وقت واحد على مواقع قد تكون صالحة لخدمة العشرات لكنها تصبح « مكرهة سياحية « عندما يرتادها المئات بل الآلاف.
لقد آن الأوان لإعادة صياغة وتكريس مفاهيم الصداقة مع الأشياء والخدمات، نتحدث عن مواقع سياحية صديقة، عن سائحين اصدقاء، عن بيئة صديقة، عن خدمات صديقة، هنا قد يتم الحد من تجريف البيئة السياحية.
إن السياحة الجائرة هي تعبير عن أسوأ أشكال الاستخدام للبيئة وللثروة السياحية ومنشآتها ومقدراتها.