هناك 3 أسباب وراء الهجوم الإسرائيلي المباغت ليلة الاثنين على رفح وهو الذي كانت تهدد به إسرائيل الفترة الماضية، وهذا الهجوم الإسرائيلي ليس مفاجئا أبدا ولا غريبا في هذا التوقيت.
كما هو معروف فإن إسرائيل راهنت على رفض الفلسطينيين للهدنة بشروط النسخ الأولى من صفقة المفاوضات، وكانت تهدد بدخول رفح للضغط على المقاومة من أجل الانصياع والإفراج عن الأسرى الإسرائيليين دون أي تعهد بوقف الحرب، أو الانسحاب من قطاع غزة، أو رفع الحصار، وعبر إداراتها لملف التفاوض كانت إسرائيل تدفع نحو انهيار الصفقة أساسا، لأن رئيس الحكومة الإسرائيلية لديه برنامج إستراتيجي مختلف عما هو معلن، وتتشاركه القوى الأساسية في الحكومة والكنيست ومجلس الحرب، دون أي أهمية للأسرى الإسرائيليين.
الأسباب الثلاثة وراء الهجوم ترتبط أولا، برغبة نتنياهو بالحفاظ على تماسك حكومته وفريقه الأمني والعسكري الذي يريد المضي حتى النهاية في تنفيذ المشروع الإسرائيلي الإستراتيجي تحت عنوان التخلص من تنظيمات المقاومة داخل القطاع، وثانيا، الرغبة بزيادة الضغط التفاوضي بعد إعلان المقاومة بشكل مربك لإسرائيل الموافقة على الصفقة بما سبب حرجا شديدا لنتنياهو أمام مجتمع الاحتلال، وأهالي الأسرى، والعواصم الغربية التي فوجئ بعضها بالهجوم الإسرائيلي، كما أن الضغط التفاوضي من خلال الهجوم الجزئي على رفح يهدف إلى الحصول على مكتسبات أكبر من خلال خفض جدوى شروط الصفقة الحالية، وثالثا، إن المشروع الإسرائيلي الإستراتيجي يريد استمرار الحرب من أجل تنفيذ تغييرات على خارطة القطاع السكانية، وإعادة التهجير نحو مصر، وتقسيم القطاع، والسطو على موارده الغنية جدا على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، بما يعني أن المسارعة بالهجوم كانت لتفادي إفشال المخطط الإسرائيلي الإستراتيجي الأهم الذي قد يمتد أيضا إلى الضفة الغربية.
إسرائيل بهدنة دائمة أو هدنة مؤقتة، ستواصل تنفيذ مخططها الإستراتيجي، أي في الحالتين هناك هجوم على رفح، والموافقة الفلسطينية كشفت فقط خداع إسرائيل، بدليل اضطرابه وهجومه الجزئي وليس الكامل على رفح، وعلى مواقع مختلفة داخل القطاع في ساعات ما بعد الموافقة ليلة الاثنين، وهذا الهجوم الجزئي قد يتحول إلى كامل بعد أن تتأكد إسرائيل أنها تسببت بترحيل جديد للفلسطينيين من داخل رفح إلى مواقع جديدة، في خان يونس أوعبسان، أو أي موقع آخر في حال استمرت الحرب، وإلى الشمال في حال حدوث هدنة مؤقتة.
سنشهد الآن وضعا كارثيا، إغلاق معبر رفح، وربما توقف المساعدات كليا، وامتداد الأزمة الدموية إلى مصر، والمخاوف من سيناريو التهجير عادت وتجددت، وعلى مسار متواز هناك كارثة صحية حيث لا تتوفر المستشفيات لعلاج الجرحى في رفح، وقد تفشل عمليات الإخلاء للفلسطينيين في ظل الحرب، كما أن موقف إسرائيل الدولي سيكون مختلفا أمام تعنت نتنياهو واستمراره بالحرب، في ظل انقسام إسرائيلي اليوم أمام سياسات الاحتلال التي ثبت أنها مكلفة لمجتمع الاحتلال واقتصاده واستقراره، مثلما تدوس على الأسرى وحياتهم بشكل علني، إضافة إلى أن مواجهات رفح ستؤدي إلى مزيد من الشهداء والجرحى والضحايا الأبرياء.
في كل الأحوال تسطع الحقيقة الأهم، القصة ليست قصة فصائل، ولا قصة قطاع غزة، هي قصة الاحتلال الإسرائيلي ذاته، ودخوله مرحلة جديدة في مشروعه الإستراتيجي بإجماع من قواه المؤثرة، وهذا يعني أن توقف الحرب، كليا، أو جزئيا، وعقد هدنة دائمة، أو مؤقتة، لن يغير من حزمة الأهداف الإسرائيلية الإستراتيجية وقد يؤجلها قليلا دون أن يلغيها بشكل كامل.