يا الله كم كانت تلك النظرة المزهوة بالنصر والمحبة والشعور بالإنجاز، كانت نظرة الدكتور الجراح محمد الزعبي في مستشفى الجامعة الأردنية وهو يتحدث معي عن العملية ونجاحها والموافقة على خروجي من العناية الحثيثة والعودة إلى منزلي معافى. نظرة افتقدتها منذ زمن مع التسطيح للحياة وانتشار التفاهة. نظرة محارب نبيل عائد من معركة، نعم فكل حالة مرضية معركة مكتملة بذاتها.
كانت أسئلة من طرف الجراح الجميل مع إجابات مني، فيما كانت نظراته تجول بين فريقه الطبي من طلبة الطب والإمتياز الذين كانوا يشاركون الجراح الزعبي الشعور بالفرح والإنجاز.
أثناء تواجدي في مستشفى الجامعة الأردنية العظيم، اكتشف حياة وطنية بالكامل خارجة عن كل ما نشاهده ونمارسه في نهارنا وليلنا، نعم ثمة أناس هم أبناؤنا وإخوتنا ومعارفنا، لا يدركون تبدلات النهار والليل، لا يحملون الساعات بأيديهم إلا لغايات تنظيم العمل والمواعيد، هناك فجراً في طوارئ المستشفى ثمة من يتطلب إجراء فحوصات مكثفة له، صور أشعة طبقية محوية نووية ورنين مغناطيسي، ثمة من يحتاج لأوكسجين من اجل عودة الهواء للرئتين، ثمة من يحتاج لجبر الكسور في اليدين والساقين، ثمة من يتطلب تركيب مفصل سريع مؤقت، ثمة يتوالى عليه عديد من أطباء الاختصاص من أجل تقييم الحالة واتخاذ القرار العلاجي الجماعي الحصيف.
هناك من يواسون ويداوون وينظفون الجراح والمعاناة، من يكون همهم تزويد المرضى بالأدوية في وقتها، والغذاء المناسب للحالة المرضية، والعلاج الطبيعي المترافق مع العلاج الطبي، والنظرات الحانية من الممرضين الساهرين طيلة الوقت على تلبية أصغر الحاجات للمرضى.
هناك من يستمر عملهم في سبيل تنظيم المرور السهل والآمن والسريع للمركبات من أجل الوصول بالمرضى في أقرب وقت للطوارئ، هناك من يعمل على إزالة المتبقيات والنفايات الطبية وغير الطبية والتنظيف المتواصل للغرف والممرات والأسرّة.
هناك طبيب وفنّي الأشعة وطبيب وفنّي التخدير وطبيب وفنّي العناية الحثيثة الذين لا أدري كيف يعودون لمنازلهم ويمارسون مثلنا أشياؤهم وتفاصيلهم الحياتية، إنهم الجاهزون دوما لكافة الاحتمالات.
حين أتيحت لي فرصة الجلوس بجوار النافذة في غرفة المستشفى وتأمل حركة المركبات على طريق الجامعة الأردنية بعد منتصف الليل، كنت أتساءل عن هؤلاء الليليين الذين قد يكون عملهم انتهى في هذا الوقت المتأخر أو ربما يكون عملهم قد ابتدأ.
استحضرت هنا عديداً من الأعمال التي لا تعرف حياتنا المعتادة، فالمخابز لا وقت لديها لترف الاستراحات الطويلة، كذلك المطاعم، كذلك سائقي وسائل المواصلات العامة، الطيران، الحراسات الأمنية، الجيش الساهر على نبض الوطن، وغيرهم وغيرهم.
ياااه كم هو الوطن جميل عندما يبنى بالحب والعمل الصادق، بالجهد المتفاني والأمل.
لن أنسى نظرة الزهو في عيني طبيبي الجراح محمد الزعبي ما حييت، ولا نظرات الأطباء والممرضين والفنيين والعاملين، لن أنسى نظرة وابتسامة الطبيبة المقيمة شهد القضاة المساعدة للزعبي.
دائماً كنت أقولها وها أنا ذا أكررها: كثيرون يقدمون التنظير لحلول مشكلات الوطن، لكنهم لم يواجهوا يوما أن يكونوا ضمن قطاعات العمل واتخاذ القرار فيها، سهل عليهم الإفاضة علينا بنصائح وتوجيهات باعتبارهم يحللون كل شيء، فيما الحقيقة الموجعة أنهم سيفشلون فشلاً ذريعاً لو تم الطلب منهم تقديم أبسط المهام الوظيفية الفعلية.
شكراً من القلب لطبيبي الجراح محمد راضي الطراونة ومساعدته الطيبة الجرّاحة زينة مرعي، شكراً من القلب محمد الزعبي ومساعدته الجراحة شهد القضاة وفريقه الطبي الأجمل، شكراً لكل من يسيرون في العتمة سعياً وراءعملٍ نبيلٍ ولا ينتظرون رؤية النهار. شكراً لكم أيها العابرون للزمان والمكان والوجدان.