أقل من حفنة كلام؛ ننثرها يوميا في هذه الزاوية، وبالكاد تكون جادّة، في ظرف طغى الهزل والدجل فيه على الحقيقة والمطلوب، وحتى أحاول تقريب الوصف الأدق لما يجري في سوق السياسة والإعلام، السوق المشتركة، التي يستدل من خلالها المتابع على ما يمكن أن يجري في الدنيا..
تصلنا فيديوهات فيها جانب إنساني بل ظلم إنساني بشع للناس في غزة الصامدة، وسائر مخيمات الشتات الفلسطيني، وفي شهر رمضان الكريم فاض الميديا والسوشال ميديا بمثل هذا النوع من الفيديوهات، التي توضح حجم الجوع والفاقة التي يعيشها نازحو ومواطنو غزة المنكوبة..
تجد أطفالا تقل أعمارهم غالبا عن 10 سنوات، يبيعون أشياء ما على «بسطة» متواضعة، يقف الطفل عطشا جائعا صائما، حزينا، في ذهنه ومخيلته موسوعات من الألم والأمل، يحاول بيع شيء ما، وحين يسأله الذي يعد الفيديو لأسباب ما: لماذا تبيع؟.. يجيب الطفل : أريد أن أؤمن شيئا لأهلي أو إخوتي «في حال فقدانه لأمه وأبيه وكل معيليه».. ويتدخل صانع المحتوى في بعض المواقف ويقدم «هدية ما» للطفل الرجل، فتشعر بالارتياح والسعادة حين تشاهد أسارير الطفل انفرجت، وتراقصت عيونه فرحا بالهدية التي قد لا تتجاوز قيمتها 10 دولارات.
الأطفال ليسوا بتجار، ولا مستثمرين، ولا يمكن مقارنتهم بالتجار الكبار، الذين يملكون مؤسسات كبيرة، ويسيطرون على أسواق دولة أو عدة دول في الوقت نفسه، وتتراكم أرصدتهم المالية، بأرقام فلكية مع كل ثانية، لكنهم في الحقيقة أفضل من كل أصحاب المال ورجال ونساء «البزنس»، والدليل هو اهتمام ومتابعة وتأثر من يشاهد الفيديو.
في عالمنا وتحديدا في مجال السياسة والإعلام، ثمة سوق كبيرة، فيها تجار من مختلف الأحجام، يبيعون ويشترون في سلع كثيرة، أعني من سلع السياسة، منهم من يبيع الإنسان، وآخرون يبيعون الأوطان، وبعضهم متخصص في سرقة وبيع الأذهان، بالخداع والتضليل وتحسين وجه البشاعة بالتجميل، أما في عالمنا العربي، فالتجار أقل شأنا ولا يمكنهم الاتجار بكل السلع الرائجة في مثل هذه السوق حول العالم، وفي حالة «الكساد والبوار»، يتحول تجارنا وزعراننا إلى «مسخرة»، يلوذون بالسخرية والدجل المكشوف حتى لو كان الناتج إضحاك الناس عليهم وعلينا جميعا، حتى لو كانت السوق للبترول مثلا أو للفولاذ والخردوات، تجد منا من يحاول بيع التنانير والأحذية والماء والهواء.. وهي حالة من الإفلاس وعدم الاختصاص وضعف في المعرفة وقلة في الملاءة المالية والعقلية أيضا..
إعلامنا العربي بل كل الإعلام الذي لا يتبع إداريا للصهيونية، يقدم خدماته لها أملا في الحصول على مقابل، أو حتى من دون مقابل، وقلما تجد سياسيا أو إعلاميا «صاحب مبدأ» أو قضية، لكنه يستخدم «الكلام الكبير» عن المبادئ والقضايا العالمية والمحلية، ولا يكاد يفقه معنى مصطلحاتها فكيف يفهم آثارها، أو يستخدمها ويوجهها لخدمة قضاياه أو حتى الاستفادة من أي عائد سواء أكان ماليا، أو أي نوع من العوائد.
اليوم و»بكره».. وكل يوم، ستجدون مثل هؤلاء، وستجدون أكثر من 50% من الأخبار المتداولة بين الناس أو حتى في وسائل الإعلام، من النوع المذكور، اعني النوع الذي يبين حجم الكساد والفساد والانسياق خلف حاجات السوق التي قد تكون من نسج خيال البياعين، ولا يستخدمها التجار المحترفون في سوق «السقايين».
المشهد مؤسف، ومع ذلك يقوم بعضنا بمحاولات ويستخدمون وصفات شعوذة أو كيميائية لتلميع «التنك»، ولا يفهم هؤلاء بأن ما ينفع الناس والدولة والمستقبل لا يتواجد في قلوب وقسمات وجوه عرفنا حجم تشوهها وانتهاء صلاحيتها..