تبرز معضلة عطاءات الأدوية كأزمة متفاقمة، تتمحور حول المماطلة في الدفع من قِبل الجهات الحكومية، والتي تؤثر بشكل مباشر وخطير على سلسلة توريد الأدوية، فالأرقام توضح مدى صعوبة الوضع الذي تعانيه مستودعات الأدوية، بسبب نقص السيولة الحاد الناجم عن عدم تسديد المديونية المتراكمة على الجهات الحكومية، والتي فاقت 200 مليون دينار وبعمر مديونية يصل إلى 3 سنوات.
الأدوية المصنفة بالعلاجي تُثقل الفاتورة العلاجية للقطاع العام والتي تصل مشترياتها إلى قرابة 140-150 مليون دينار سنويا، حيث يتم إنفاقها على شراء الأدوية.
وقرابة 8 آلاف دواء مسجل ومسعر لدى مؤسسة الغذاء والدواء منها 5 آلاف دواء أقل من 10 دنانير، والباقي يستخدم في علاج الأمراض المزمنة، حيث يصل عددها إلى 1100 صنف علاجي وهي غالية الثمن. وهناك بعض الأصناف الدوائية غير مسجلة إلى الآن يتم استيرادها بشكل سنوي لصالح العطاءات الحكومية، وعددها 154 صنفا دوائيا.
جمعية أصحاب مستودعات الأدوية تناشد، بل تستغيث، فالمديونيات المتراكمة على الحكومة تزداد، وبالرغم من الوعود المتكررة من وزارة الصحة بتسوية هذه الديون، فإن الواقع يظهر تباطؤًا مؤلمًا ومحبطًا. فالوزارة، وبكل بساطة، لم تفِ بوعدها الذي قطعته قبل أكثر من عام بتسديد كامل المديونيات، مما يدفع المستودعات إلى زاوية حرجة تهدد استمراريتها وقدرتها على تقديم خدماتها الحيوية.
لم يقتصر التأثير على المستودعات فحسب، بل امتد ليشمل المواطنين مباشرة، فبدون توريدات جديدة للأدوية، يكون النقص في العلاجات المنقذة للحياة محتملاً، وهذا يترك المرضى الذين يعتمدون على عقاقير مستمرة لإدارة الحالات المزمنة في حالة من الضياع واليأس، فأزمة كهذه لا تُهدد الأمن الدوائي فحسب، بل تزعزع استقرار النظام الصحي بأكمله.
إن الكلف الإضافية المترتبة على الارتفاع العالمي في أسعار الشحن والتوريد، بالإضافة إلى العقبات السياسية التي تواجه المنطقة، تزيد الطين بلة.
وفي ظل هذه الظروف، يبدو أن الموردين قد وصلوا إلى نقطة اللاعودة، حيث لا يمكنهم حتى المشاركة في عطاءات جديدة، مما ينذر بكارثة صحية إن لم يتم التدخل العاجل لحل هذه المشكلة المستعصية.
من الواضح أن الحل يتطلب تدخلًا حكوميًا جريئًا وعاجلاً لضمان تسديد الديون، فالحكومة، التي تتحمل مسؤولية حماية صحة وسلامة مواطنيها، يجب أن ترفع من سرعة استجابتها، وتعالج هذه القضايا بالجدية نفسها التي تعالج بها أي تهديد آخر للأمن القومي، ولا يمكن لأي مجتمع أن يزدهر بدون نظام صحي قوي وموثوق، وعليه فإن المسؤولية تقع على عاتق الحكومة لإعادة النظر في آلياتها وضمان عدم تكرار هذا السيناريو في المستقبل.
إن التحدي الذي يواجه مستودعات الأدوية ليس مجرد قضية مالية، بل هو اختبار لنزاهة وكفاءة النظام الصحي بأكمله، لذلك يجب أن تتحرك الحكومة الآن ليس فقط لتسديد ديونها، بل لإصلاح الأسس التي سمحت بنشوء هذا الوضع الخطير.