عندما اندلع ما عرف حينها بـ"الربيع العربي" في العام 2011، والذي أدى إلى انهيار أنظمة عربية، راهن الجميع على أن الأردن لن يسلم من هذه العاصفة التي تحيط به من كل جانب. لكن ذلك لم يحدث، وبقي الأردن عنوانا للمنعة والاستقرار، رغم أنه شهد تدفق أكثر من مليون لاجئ إلى أراضيه، الأمر الذي زاد من التحديات السياسية والأمنية والاجتماعية.
بالتأكيد، فإن الربيع العربي وتداعياته لم يكن هو التحدي الوحيد الذي تجاوزته المملكة، فقد وضعنا الله في اختبار دائم وسط منطقة مليئة بالأزمات والصراعات والحروب، ولم تعرف الاستقرار منذ أكثر من قرن، علاوة على الأزمات الداخلية التي كان بعضها خطيرا جدا لارتباطه بأجندات خارجية، ومحاولات النيل من الاستقرار والأمن المجتمعي، وصولا إلى الأزمات الحديثة التي تركت أثرا بالغا على الوضع الاقتصادي للدولة، والمعيشي للمواطن بصورة غير مسبوقة في تاريخ الأردن.
خلال الخط الثابت للأزمات، بنظري، يمكن ملاحظة أن التحدي الأبرز في الأردن كان عدم قدرة الحكومات المتعاقبة على التعامل بشكل مثالي مع معادلة الوضع الاقتصادي الداخلي، وسوء إدارة العديد من الملفات المهمة، التي كان من شأن تحقيق منجز فيها أن يزيد الدولة قوة للتعامل مع الضغوطات العربية والدولية عليها، وللتخفيف من حدة رد فعل الناس داخليا.
في خضم هذا المشهد، الذي يخلق في داخلنا ارتباكا كبيرا، نجد منجزات مهمة تعزز من دور الأردن ومركزيته، واعتباره بوابة لمعالجة أهم القضايا الشائكة إقليميا، رغم فقره الاقتصادي، وحاجته للدعم الخارجي، وهذه المعادلة لا تتحقق صدفة، أو عبثا.
سياسيا، لا شك في أنه لا يمكن لنا أن نختلف حول ما تحققه السياسة الخارجية الأردنية في دعم أعقد وأقدم الصراعات في المنطقة، والمتمثل في الوجود الصهيوني على أرض فلسطين المحتلة، وقد سجل الأردن منذ السابع من أكتوبر العام الماضي نقاطا مهمة في هذا السياق، كان آخرها جهود جلالة الملك في وقف إمداد الولايات المتحدة الأميركية أسلحة نوعية لدولة الاحتلال.
أما اقتصاديا، فما تزال مؤسسات مالية عالمية تشهد على ما يحققه الأردن من إنجاز مالي واقتصادي، وقد شاهدنا قيام وكالة التصنيف الائتماني "موديز" برفع تصنيف الأردن السيادي. هذا يتحقق كما ذكرت سابقا وسط أمواج تعصف بالمملكة من كل جانب، وبحق لا يسعنا سوى أن نفخر بذلك، حيث لو واجهت أي دولة ما واجهه الأردن طيلة السنوات الأخيرة لربما عانت كثيرا من جميع النواحي.
أعود إلى الحكومات التي أدارت ملفات الأردن في السنوات الأخيرة، لأبدي استغرابي مما تحقق، في ظل هوان بعضها، وسوء أداء عشرات الوزراء الذين كانوا جزءا منها. الاستغراب يكمن في كيف لو كنا نملك مسؤولين أفضل من أولئك الذين أضاعوا علينا الكثير من الفرص للتقدم في العديد من الملفات، بينما هم في الحقيقة ساهموا في تراجعنا بملفات عديدة طالما كنا الأميز والأفضل فيها على مر العقود السابقة. لو كنا نمتلك مثل هؤلاء المسؤولين، ربما كنا اليوم في الطليعة، أكثر قوة، وأكثر صلابة.
حتى نكون ممن يفكرون في المستقبل اعتمادا على الاستفادة من تجارب الماضي، فإن كل يوم يمضي دون الالتفات إلى ما يهمّ الأردن وشعبه يؤخرنا سنوات عن التقدم والإنجاز. نريد أن نتميز بقراءة المستقبل كما تميزنا في التعامل مع الحاضر وتحدياته.
في جميع دول العالم التي تهتم بثبات مسيرتها وتقدمها، هناك مجموعات خاصة "خزانات تفكير" تنهمك في دراسات المستقبل، وتتولى وضع السيناريوهات التي يمكن التعامل معها خلال فترة مستقبلية معينة. اليوم نحن أحوج ما يمكن إلى مثل هذه النخبة، خصوصا وأن المنطقة قد تكون مقبلة على تغيرات كبيرة ينبغي ألا تغيب عن بال المخططين. إنها مجرد دعوة لكي نظل مستعدين دائما للطوارئ.