زاد الاردن الاخباري -
عمان-نظم منتدى الرواد الكبار، بالتعاون مع جمعية النقاد الأردنيين، ندوة حول "الأدب المقاوم"، تحدث فيها كل من د. زهير توفيق، ورشيد النجاب، والدكتورة دلال عنبتاوي، وادارتها المستشارة الثقافية للمنتدى سحر ملص.
مديرة المنتدى هيفاء البشير قالت إن الأدب المقاوم، هو صرخة الشعوب في وجه الظلم والاستعمار وما أحوجنا في هذه الأيام العصيبة إلى استنهاض الهمم وشحذ العقول والقلوب للوقوف أمام العدو الغاصب الصهيوني ومن يدعمه من الدول الغربية لإيقاف مجازر غزة النازفة لأنها وقفت وقفة الحق امام الظلم، دون أن يرف جفن لمغتصبيها اولئك الذين ملأوا الدنيا ضجيجاً بالمحرقة النازية لنراهم يرتكبون اليوم أبشع المجازر التي لم يسجل مثلها التاريخ بحق سكان غزة الصامدين الذين هم أبطال ورمز للإباء والعزة.
وأشارت البشير إلى أن الأدب المقاوم لم يكن في يوم من الأيام مجرد ترف وإنما هو يحمل رسالة فكرية إنسانية تنحو بالإنسان نحو الحق، وترفع من القيم الإنسانية في أعماقه، وللأدب المقاوم دوره الكبير في المساهمة في تحرير الشعوب.
من جانبه تحدث د. زهير توفيق مفهوم "الأدب المقاوم"، قائلا إنه يتداخل مع ثقافة المقاومة، وتتقاطع فيه تيارات ومذاهب فلسفية كالوجودية والماركسية وما بعد الكولونيالية، وجوهره كتابة طباقية بلغة ادوارد سعيد أو الرد بالكتابة على المستعمر والمحتل الذي يعتبر أن الثقافة أهمية بالغة، لدورها في تحقيق الهيمنة إلى جانب السيطرة التي توفرها القوة السافرة.
ويرى توفيق ان الأدب المقاوم يتبوأ مكانة رفيعة في معركة الحرية بتكوين سرديات مضادة لسردية المحتل والمستعمر، وتعبئة الشعب، مشيرا إلى الثيمات المهمة في الأدب المقاوم هي "الرفض"؛ أي رفض الأمر الواقع، والبحث عن واقع مغياري وبديل، من خلال اندماج الكاتب بالجماعة، حتى لا يكون مجرد تمرد عابر، فيما تمتاز الثيمة الثانية لأدب المقاوم بأنه يبث "الأمل والتفاؤل"، رداً على أدب اليأس والعدمية والتشاؤم، الذي طبع الأدب والفن في مرحلة ما زالت ممتدة في أماكن عدة، والبطل الإيجابي وليس الإشكالي في السرد.
ورأى توفيق أن في هذه الثيمات يعمل الأدب المقاوم على التمسك بالأرض والثقافة الوطنية والهوية الذاتية المهددة، ونقض الاغتراب والتبعية والخطاب الأبوي التقليدي المهادن وفي النقد رفض النصية وفصل النصوص عن سياقاتها التاريخية ورفض مركزية الثقافة الغربية والثنائيات الضدية التي ولّدتها في تاريخ طويل من الهيمنة والسيطرة.
وحذر توفيق مما يجري في فلسطين 1948، من الأسرلة والتطبيع الأدبي في الوسط العربي!، وهي عملية نشطة منذ الخمسينات وزادت وتيرتها في السنوات اللاحقة بمنظمات ومبادرات ليس لها أول من آخر؛ كـارابطة التفاهم اليهودي العربي"، و"رابطة ادباء ابناء سام"، "رابطة مجلة لقاء"، وغيرها وحاز أصحاب هذا الاتجاه من شعراء وروائيين وقصاصين عرب على العديد من الجوائز الأدبية الإسرائيلية المصممة لمثل هؤلاء، كجائزة رئيس الدولة للإبداع الادبي العربي، وجائزة الإذاعة الإسرائيلية البث العربي "قديما"، للقصة القصيرة، وجائزة الكنيست للتفاهم والتعاون "بين الشعبين"، وجائزة الدولة التقديرية وغيرها، ومن هؤلاء من هجر اللغة العربية وبدأ يكتب بالعبرية كأنطون شماس "رواية أرابيسك"، على سبيل المثال.
وخلص توفيق إلى أن مهمة الأدب المقاوم في فلسطين أصبحت مزدوجة، فأولاً الرد بالكتابة النقيض على السردية الإسرائيلية والصهيونية، وثانياً الرد على الأسرلة، والتمسك بالهوية الوطنية الفلسطينية وانتمائها العربي بأرقى أشكال التعبير والفن والكتابة الطباقية.
فيما استعرض رشيد النجاب تجربة الروائي المعتقل في السجون الإسرائيلي باسم خندقجي، الذي صدر له العديد من المؤلفات من داخل السجن مثل ديوان شعر "طقوس المرة الأولى"، وثلاث روايات هي "مسك الكفاية"، "خسوف بدر الدين"، والثالثة "قناع بلون السماء"، وتم إنجاز هذه الاعمال أثناء وجوده في الأسر، وعلى إثر ترشيح الرواية لجائزة البوكر العربية، مما أثار سخط الإسرائيليين، الذين تحدثوا عن فوز "إرهابي" بجائزة الأدب العربي.
وتابع النجاب أن خندقجي يتعرض حاليا للعزل داخل السجون منذ أيلول سبتمبر من عام 2023. علما بأنه عضو قيادي في حزب الشعب الفلسطيني. وقد قال خندقجي في أمر العزل مخاطبا لجنة التحكيم: "بعد أن تمّت معاقبتي ومصادرة كتبي وأوراقي وأقلامي من قبل إدارة السجون الإسرائيليّة، بعد علمها بأمر ترشُّح روايتي إلى جائزتكم الموقَّرة، إلَّا أنَّني مرتاحٌ رغم ذلك، لأنَّهم وإن تشدَّدوا في عقوبات السَّجن ومصادرة الحريَّة، فلن يستطيعوا أبداً مصادرة أحلامي وأبطال رواياتي وطموحات شعبي الفلسطيني الصامد في غزّة وخارجها، والساعي إلى التحرُّر والسلام".
وتحدث النجاب عن أهمية هذا الأدب قائلا "تنبع أهمية هذه الأعمال بصفتها تجسيدا لأدب المقاومة. ويشكل هذا الفوز انتصارا للسردية الفلسطينية في مواجهة السردية الإسرائيلية". كما قال الأديب والشاعر الفلسطيني سميح محسن، لافتا الى الدلالات التي تحملها مكونات هذه الرواية بدأ من الغلاف وألوانه ذات الصلة بالمضامين، وكذلك الإهداء، والشعار، المتمثل في سطور من جدارية محمود درويش. وقد تضمنت هذه القراءة مفاهيم المقابلة بين الرموز الفلسطينية والإسرائيلية، ومعاني القوة والمبدأية التي تطبع شخصية خندقجي، والدعوة إلى الصمود، والحلم بالحرية.
كما عرج النجاب على المحاور التي تتناولها الرواية، واصفا أيها بـ"رواية في رواية"، حيث تتناول قصة "نور" الذي يسكن في أحد المخيمات الفلسطينية في رام الله، ويعثر على هوية إسرائيلية "زرقاء" في جيب سترة اشتراها من سوق الملابس المستعملة ويقرر استخدامها للدخول إلى المواجهة مع المحتل بحثا عن معلومات للرواية التي يعدها "عن المجدلية"، ويصور في هذه المواجهة حوارا بينه وبين كل من صاحب الهوية المفترض الذي تقمص شخصيته، و"إيالا" الفتاة اليهودية الشرقية، و"سما"، الفلسطينية الحيفاوية.
فيما تحدثت الدكتورة دلال عنبتاوي عن أدب السجون، قائلة يعد أدب السجون جزءا مهما من أدب المقاومة بل هو روح الأدب المقاوم وعنوانه وهويته لأنه يعبر عن عمق التصدي والوقوف بوجه الغاصب والمعتدي فماهو توصيف وتعريف أدب السجون فهناك أدباء كتبوا نصوصاً عن السجن وعالمه، وهناك سجناء لم يكونوا أدباء أصلا، ثم بسبب سجنهم شرعوا بكتابة نصوص أدبية. وعلينا ألا نغفل الأدباء السجناء –أي الذين جمعوا ما بين النوعين الأول والثاني، ومن حق الدارس أن يتساءل عن الفرق بين تلك الأنواع الثلاثة: سجناء كتبوا أدبا، وأدباء كتبوا عن عالم السجن وما يمت له بصلة، وهناك أدباء سجناء.
ودعت إلى التمييز بين الأدب العربي الذي كتب عن سجون الاستعمار، يوم استعمرت أوروبا العالم العربي، والأدب العربي الذي كتب بعد الاستعمار- أي زمن الاستقلال، وهذا ما عالجه د. سمر روحي الفيصل في كتابه. وبين الأدب الفلسطيني الذي كتب في فلسطين تحت الحكم الإسرائيلي، والأدب الفلسطيني الذي كتب في العالم العربي. وبين الأدب الفلسطيني الذي كتب في فلسطين وكتبه سجناء أو أدباء عاشوا في السجون الإسرائيلية.
ثم تحدثت عنبتاوي عن الخصائص الفنية لأدب السجون قائلة يتمتع بالواقعية التي تطرحها التجربة الأدبية في المعتقلات، قسوة الاعتقال التي تشكل تُربة خصبة لتفجر الطاقات الأدبية، كردّ فعل طبيعي ومنطقي على ممارسات القمع، وتناول قضايا مرتبطة بظروف اعتقالهم، وبتفاعلهم مع الأحداث الخارجية خصوصًا في مرحلة الانتفاضة، وسجل واقع المعتقل ورسم صورة للسجّان وممارساته ضد المعتقلين، ـ تناول الحياة العامة خلف القضبان والتعبير عن أحلامهم بالليل التي تمتزج فيها المشاهد بين القيد والانطلاق؛ يُعد السجن القابع فيه المعتقل من أكثر الموضوعات التي تناولها الأدباء المعتقلون، وصفوا أسوار السجن والشبك والقضبان والسقف؛ بالإضافة إلى تناول أقبية التحقيق وما يدور فيها من ممارسات سادية وعنصرية ضد المعتقلين؛ ووصفوا أدوات التحقيق والتعذيب.