زاد الاردن الاخباري -
"2400 دينار قسط البستان، الله أكبر، لسا ما كتب حرف"، بهذه الكلمات أبدت أم محمد دهشتها من المستويات التي وصفتها بـ"الخيالية" لأقساط المدارس الخاصة في المملكة.
أم محمد تقول إنها عندما بدأت رحلة البحث عن مدرسة خاصة ذات سمعة جيدة لتسجيل ابنها ذي السنوات الاربع، فوجئت بالكلف "العالية جدا" للتعليم في القطاع الخاص، ما جعل بحثها عن التميز الاكاديمي يتراجع الى المرتبة الثانية لصالح البحث عن "الكلفة المعقولة".
وتتساءل عن "المنطق" في أن تكون كلفة تدريس طفل في مرحلة "البستان والروضة" تعادل كلفة "دراستي أربع سنوات كاملة في الجامعة".
وتؤكد أم محمد أنها مستعدة للتضحية بالكثير من كماليات الحياة لتوفير "الافضل لابني"، بما في ذلك أقساط مدرسة ذات تعليم ممتاز ومناهج تشمل تعليم لغات أجنبية أو أنظمة دراسة دولية في المرحلة الحالية، متسائلة عن قدرتها على الاستمرار في ذلك، في ظل الزيادة المضطردة في الاقساط مع مرور كل عام دراسي.
الأم لأربعة أطفال، أم بشار؛ اثنان منهما في مدرسة خاصة متوسطة الكلفة، تؤكد نيتها نقل ابنتها الكبرى الى مدرسة حكومية حال بلوغ الطفل الثالث سن المدرسة.
وتفسر أم بشار ذلك بأن دخل زوجها لا يمكنه تغطية وجود ثلاثة أو أربعة أبناء في مدارس خاصة، فهي ستكتفي بـ"تأسيسهم في السنتين أو الثلاث الاولى في مدرسة خاصة"، ثم عليهم الانتقال الى المدارس الحكومية أسوة بالآلاف من طلاب المملكة.
وتقول "يبدو أن فرص التعليم الممتاز باتت حكرا على أبناء الاثرياء"، في ظل تردي أحوال المدارس الحكومية، وإحجام كثيرين عن اللجوء إليها لتعليم أبنائهم، مضيفة "ربما كان بمقدور البعض وضع أبنائهم في مدارس ذات كلفة باهظة، إلا أن الغالبية لا يمكنهم ذلك".
نقيب أصحاب المدارس الخاصة منذر الصوراني، أشار إلى أن الأقساط المدرسية تختلف باختلاف المنطقة وباختلاف المرحلة الدراسية ومستوى الخدمات التي تقدمها المدرسة، مؤكدا أن كل ما يخص أسعار التعليم الخاص والاقساط المدرسية خاضع لتنافسية السوق الحرة. ويقدر الصوراني متوسط الاقساط للعام الدراسي الواحد في العاصمة عمان بنحو ألفي دينار لمناطق عمان الغربية وما بين 250-300 دينار في عمان الشرقية، فيما تتراجع الى 170 دينارا سنويا في المحافظات الاخرى؛ مثل إربد والكرك.
ويؤكد أن الكلفة ترتبط عادة بخدمات المدرسة التي هي العامل الاساسي في تصنيف المدارس الخاصة؛ كتوفر التكييف والتدفئة ونظام نقل الطلاب ورواتب المدرسين وريادية المدرسة وكفاءة نظامها التعليمي. ويقدر عدد المدارس الخاصة في المملكة بنحو 2400 مدرسة، يدرس فيها قرابة 450 ألف طالب وطالبة، بحسب النقيب الصوراني.
أم فارس، التي يدرس أبناؤها الاربعة في مدرسة خاصة، بخصومات قلصت مجموع الاقساط الى 1700 دينار، تؤكد أن كلفة التعليم في المدارس الخاصة "لا تناسب غالبية الناس"؛ فالشريحة الاكبر ليس بمقدورها احتمال الكلفة الكبيرة لتلك المدارس.
ورغم اعتمادها مدرسة خاصة لابنائها، تعتبر أم فارس أن التعليم الخاص في المملكة ما يزال دون المستوى المطلوب، فهي رغم تحصيلها مبالغ مالية ضخمة من الطلاب، إلا أن كثيرا منها لا يستقطب المعلم المتميز ولا يدفع رواتب عالية للمدرسين، ما يبقي مستوى التعليم متدنيا، ما يدفعها الى الاعتقاد بأن مستوى التعليم في المدارس الحكومية ربما يكون أفضل أحيانا. غير أن أم فارس، ترى في المقابل أن المدارس الحكومية لا توفر في الغالب البيئة الفضلى للطلاب، ما يدفع الاهل للبحث عن بيئة أكثر التزاما قد تتوفر في المدارس الخاصة، لتعود وتستدرك قائلة "توفر المدارس الخاصة أيضا في كثير من الاحيان بيئة خصبة لفساد الطلبة وللممارسات الخاطئة كالتدخين والعنف ضد المدرسين".
وترى أن التعليم في المدارس الخاصة تحول الى "تجارة"، مستدلة على ذلك بعدم اكتفاء المدارس بالاقساط المرتفعة، بل لجوء إداراتها الى استغلال أي حدث أو مناسبة لطلب المزيد من المال، ومطالبة الاهل بدفع بدل رحلات الطلاب وارتفاع أسعار الاصناف المباعة في "المقاصف المدرسية".
وفي هذا الاطار، يؤكد الخبير الاقتصادي منير حمارنة أن التعليم في المدارس الخاصة بات مكلفا وخاصا بشرائح معينة في المجتمع.
ويقول إن الاقساط "العالية جدا أدخلت التعليم مرحلة التجارة"، خصوصا في ظل عدم وجود أسس لفرض الرسوم في تلك المدارس.
وينتقد حمارنة تصنيف المدارس الخاصة وفقا لخدماتها المقدمة وليس لطبيعة البرامج التعليمية وأسس التدريس في تلك المدارس.
كما يعتبر أن المدارس الحكومية، التي باتت في السنوات الاخيرة تستقبل أعدادا من الطلبة المنتقلين اليها من المدارس الخاصة هربا من ارتفاع كلفة التعليم في الاخيرة، تشكل خيارا "لا بأس به" لتهيئة مدرسيها بشكل أفضل.
وكانت المدارس الحكومية شهدت بداية العام الدراسي الماضي انتقال ما يقارب 37 ألف طالب وطالبة نظرا لارتفاع أقساط المدارس الخاصة بشكل كبير، الأمر الذي أرهق ميزانيات الأسر هذا، ومن المتوقع أن تشهد بداية العام الدراسي المقبل موجة انتقال جديدة، خصوصا وأن أقساط المدارس الخاصة في ارتفاع مستمر.
حنين منصور / الغد