لا تنتهي إشكالات نتنياهو السياسية آخرها مع كل من أميركا ومصر حول ما يجري في غزة. نتنياهو لا يمتلك أجوبة لكثير من الأسئلة المطروحة عليه من قبل أميركا، ويتصرف ميدانيا بطريقة اقتربت من المساس بمصالح مصر الأمنية، ما خلق حالة من التوتر الشديد مع أهم الفاعلين جراء ما يحدث في غزة.
المشكلة الأساسية التي تواجه نتنياهو أنه يصر على عملية في رفح التوقعات تشير إلى أنها ستكون كارثة إنسانية غير مسبوقة أخطر مما شهدناه من بداية العدوان على غزة بعيد 7 أكتوبر الماضي. هذه العملية، إن حدثت، سيكون لها تداعيات سياسية وإنسانية شديدة تنعكس على كافة دول إقليم الشرق الأوسط.
نتنياهو يصر على أن العملية حتمية لا يمكن تجنبها من دونها تكون إسرائيل خسرت الحرب وحماس انتصرت، وأنها الوسيلة الوحيدة اللازمة للقضاء نهائيا على حماس. أميركا ومصر وغالبية العالم لا توافق على ذلك تعتبره أمرا خياليا لا يمكن تطبيقه على أرض الواقع في الميدان.
نتنياهو اقترب من المساس بالمصالح الأمنية المصرية عندما قام الجيش الإسرائيلي باقتحام معبر رفح الحدودي مع مصر، ورفع العلم الإسرائيلي هناك في إشارة إلى إعادة الاحتلال.
غضبت مصر ورفضت ما حدث وتدرس إجراءات دبلوماسية، منها تخفيض التمثيل الدبلوماسي وربما خطوات أخرى.
مصر رأت في سلوك إسرائيل تهديدا لأمن الحدود قد يؤدي للجوء مئات الآلاف من الفلسطينيين لمصر، وهذا يجعل مشكلتهم مشكلة مصرية إنسانية وأمنية، ويرتب أعباء سياسية كبيرة على مصر. إسرائيل سارعت لتهدئة المخاوف المصرية بالقول إنها لا تنوي إعادة الاحتلال، وهي فقط تريد طرد أو الإجهاز على حماس، وأن العملية محدودة وليس الهدف منها إعادة الاحتلال، وأنها سمحت للفلسطينيين العودة لشمال غزة وليس إبعادهم لمصر.
أميركا، وبسبب التكلفة الكبيرة للحرب سياسيا ودبلوماسيا، تضغط أيضا على إسرائيل لعدم ارتكاب أي حماقات سياسية وإنسانية. بايدن تحت ضغط شديد وصلت تداعيات الحرب إلى الجامعات الأميركية، في موسم انتخابات حساس سيكون فقط لثمانين ألف ناخب أميركي فرصة الحسم فيه.
بايدن يوقف إرسال الأسلحة المهمة والضرورية لعمليات الجيش الإسرائيلي في محاولة للضغط على نتنياهو، وتدين الإدارة الأميركية وتضع عقوبات على مهاجمة المتطرفين الإسرائيليين لشاحنات الإغاثة الأردنية، ورموز الإدارة تتحدث علنا أن لا خطة لما بعد الحرب من قبل نتنياهو، والرجل يسير بخطى خطيرة مكلفة سياسيا على الولايات المتحدة. الجمهوريون يحاربون بالنيابة عن نتنياهو في واشنطن، يشبهون ما يفعله نتنياهو من استخدام للأسلحة الفتاكة بما قامت به أميركا من استخدام للسلاح الذري ضد هيروشيما وناكازاكي إبان الحرب العالمية الثانية، في خطوة اعتبرت ضرورية لإنهاء الحرب رغم أنها أدت لضحايا إنسانية هائلة، فلماذا حلال على أميركا وحرام على إسرائيل.
مشهد في غاية التعقيد لا يبدو أنه مبشر، ولا يبدو نتنياهو بوارد التصرف بحكمة بعيدا عن المغالاة التي سيدفع ثمنها أمن واستقرار الإقليم.