رفع التصنيف الائتماني للأردن يعد خطوة مهمة وإيجابية جدًا، ولكنه يفرض في ذات الوقت تحديات كبيرة على الحكومة، لأنها مطالبة بالحفاظ على هذا التصنيف في المدى القصير، ورفعه على المديين المتوسط والبعيد. لكن في ظل الواقع الراهن الذي يشير إلى مجموعة من التحديات يطلب من الحكومة مراجعة وتقييم سياساتها الاقتصادية، ووضع خطة طوارئ مبكرة.
منذ بدء حرب غزة، يتعرض الاقتصاد الأردني لضغوط كبيرة، فالحرب تلقي بظلالها على القطاعات الاقتصادية المختلفة، وساهمت بتراجع النشاطات الاقتصادية المرتبطة بتداعيات الحرب؛ مما يؤثر سلبًا على الاقتصاد بشكل عام.
هيكل إيرادات الدولة يشهد خللاً كبيرًا وضغوطا هائلة، فالتحول الكبير نحو السيارات الكهربائية أثر بشكل سلبي على إيرادات ضريبة المحروقات، كما أن التحول من مبيعات السجائر والتبغ التقليدية نحو المنتجات الجديدة سيؤثر حتما على إيرادات الضريبة الخاصة على الدخان، بالتزامن مع هبوط إيرادات الخزينة من الجمارك والأراضي التي هي الأخرى تشهد تراجعًا ملحوظًا، وكذلك الإيرادات غير الضريبية، فهذه الضغوط المالية الهائلة تتطلب من الحكومة اتخاذ إجراءات صارمة لوقف الاستنزاف المالي الذي تتعرض له الخزينة في العام 2024. السنة القادمة ستبدأ الحكومة أيضا بدفع سندات اليوروبوند بقيمة مليار دولار سنويًا ولغاية 2030، مع فائدة الدين الحالية التي تقارب ملياري دينار، لذلك يتطلب الوضع من الحكومة مراجعة شاملة للإنفاق العام، ولا يمكن لها أن تستمر في السلوك الإنفاقي الحالي وكأن شيئًا لم يحدث ولا يؤثر عليها، فيجب عليها أن تعلن ضبطا حقيقيا للإنفاق، وأن تتخذ إجراءات لوقف النزيف الحاصل في إيرادات الدولة.
من الضروري أن تعمل الحكومة على تصحيح هيكل الإيرادات من الرسوم والضرائب على مجموعة من السلع لتعويض خسارة الإيرادات الأخرى، ويجب أن تضع الحكومة خطة لضبط الإنفاق العام وتحديد الأولويات بوضوح، فالحكومة بحاجة إلى تبني سياسات تعزز من قدرة الاقتصاد على الصمود أمام التحديات المالية الكبيرة، وتضمن استقرار الإيرادات على المدى الطويل. رفع التصنيف الائتماني يجب أن يكون محفزًا للحكومة لتبني سياسات إصلاحية حقيقية تعزز من النمو الاقتصادي، وتقلل من الاعتماد على المساعدات الخارجية والقروض، فهذه السياسات يجب أن تشمل تحسين مناخ الاستثمار، وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص، وتطوير البنية التحتية بشكل يدعم النمو الاقتصادي المستدام. إن الحفاظ على التصنيف الائتماني المرتفع يتطلب من الحكومة الأردنية التزامًا حقيقيًا بتنفيذ إصلاحات اقتصادية جذرية، فهذه الإصلاحات يجب أن تكون مبنية على أسس علمية ومدروسة جيدًا، مع مراعاة التحديات الاقتصادية المحلية والإقليمية.
إن الإدارة الحكيمة للموارد المالية، وتحسين الكفاءة الحكومية، وتعزيز الشفافية والمساءلة هي مفاتيح النجاح في مواجهة هذه التحديات، فالحكومة أمامها فرصة ذهبية لتحويل هذا التصنيف إلى نقطة انطلاق نحو مستقبل اقتصادي أفضل، شريطة أن تكون قادرة على اتخاذ القرارات الصعبة وتنفيذ السياسات الفعالة بحزم ودقة.