على مدى ساعتين استمعنا إلى مصارحة حول التحديات الأمنية وملفات ثانية من وزير الداخلية مازن الفراية، واللقاء لا يمكن أن ينفصل سياقه العام عن الإجابات المحددة لبعض الأسئلة، لان الترابط والإشارات بين جواب وآخر، يوضحان الصورة جيدا حول القضايا المثارة، وهذا يعني أن السياق العام كان متماسكا، والاجتزاء لإنصاف الدلالات ليس مناسبا.
ساعتان مع الوزير في مركز الحسين الثقافي التابع لأمانة عمان والذي أتاح الفرصة مشكورا لثلة من الزملاء الصحفيين والإعلاميين للاستماع للوزير، وتوجيه أسئلة له حول أبرز القضايا، خاصة أن عنوان الأمسية في صالون السبت كان ""عندما يرتفع التحدي الأمني الأردني حد الحافة - حرب مخدرات وتداعيات العدوان على غزة"، وهي ملفات حساسة.
سألت الوزير عن ملف التهجير من الضفة الغربية وإذا ما كان السيناريو قد انخفض مقارنة ببدايات الأزمة فكانت إجابة الوزير واضحة ومحددة، أن الأردن يتابع كل التفاصيل، وأن المؤشرات الحالية، لا تدل على بدء تنفيذ مخطط تهجير طوعي أو قسري، برغم الظروف الأمنية في الضفة الغربية، والكل يدرك هنا أن هناك مواجهات داخل الضفة الغربية، لكنها لم تؤد إلى بدء التهجير على الأرض، وتسلح الوزير هنا بأرقام القادمين والمغادرين عبر الجسور؛ ليثبت أن حركة الفلسطنيين ثابتة ومستقرة ضمن متوسطها العام، بما يعني أن لا مؤشرات على وضع استثنائي قد يحدث فجأة من الضفة الغربية إلى الأردن هذه الفترة الحساسة جدا.
وكلام الوزير هنا لم ينف احتمالية التهجير، ولا أن الأردن استرخى أمام هذا السيناريو، وحين قلت له إن المخاوف قد تكمن من "التهجير الناعم" من الضفة الغربية لوجود نسبة معينة من أهل الضفة الغربية يحملون الرقم الوطني الأردني بما يعني أن حركتهم قانونية نحو الأردن، وقد تشجع مواطنتهم هنا على الارتحال إلى الأردن في أي ظرف استثنائي- دون تشكيك من كاتب هذه السطور في وطنية أهل الضفة وبقائهم في أرضهم- أجاب الوزير بشكل محدد أن التهجير خط أحمر في الأردن، وأن كل شيء تحت المتابعة التفصيلية، وأن حركة الجسور برغم الظروف في الضفة الغربية طبيعية، ولم يشهد الأردن وضعا مختلفا، بما يعني أن كل الاحتمالات واردة، لكن الوزير كان يتحدث عن تقييمات اللحظة الحالية، وليس المخاوف الإستراتيجية المتعلقة بكلف الوضع الأمني في الضفة الغربية وعلاقته بمخاطر التهجير.
الوزير تحدث عن موقف الأردن تجاه الأهل في فلسطين والمساند للفلسطينيين، والموقف الشعبي والرسمي وغير ذلك، وارتداد ذلك على الأردن، مشيرا إلى أن الأردن ومؤسساته الأمنية والعسكرية والسياسية قوية ومتماسكة ويدير الملفات بطريقة ممتازة، وأن الاردن بلد آمن وسط إقليم ملتهب، بسبب كل هذه الأزمات التي نراها في جوار الأردن.
الملف الثاني كان حول الضغط على خواصر الأردن، الحدود مع سورية والعراق، والاستهداف الأمني، عبر حروب المخدرات والأسلحة، والوزير إذ يشيد بأداء المؤسسات، ويقيّم حجم الأخطار، ويربطها بشكل محدد بجماعات مسلحة لها غايات تتنوع بين التجارة وتهديد الأمن، لا ينفي في تقييمه هذا وجود عواصم حاضنة وراعية لكل هذه الجماعات، وهو لم يذكر أسماء دول محددة، إلا أن السياق كان واضحا كالشمس، لأن الكل يدرك من يسيطر أصلا على هذه الميليشيات والجماعات والحدود، فيما الوزير لم يبرئ أحدا بل طالب بشكل محدد وواضح من دول الجوار حماية حدودها، وهذا يعني أن على هذه الدول وقف هذه الحرب علينا، وأن تؤدي مسؤولياتها، بدلا من هذا المشهد، ومن الطبيعي هنا أن يحافظ الوزير على لياقات الكلام، خاصة، أنه يتحدث عن تبادل المعلومات في ملف المخدرات مع دول الجوار، ويحكي لنا عن اجتماعات ولجان مشتركة، بحيث قد لا يصح أيضا مهاجمة طرف رسمي بالاسم، في سياق متوتر أيضا، يحاول فيه الكل إطفاء هذه الحرائق، مع الإشارة هنا إلى أن كل المنطوق الرسمي على لساني مسؤولين آخرين تحدثا مرارا صراحة وألمحا حول بعض الدول التي عليها المسؤولية، فيما كلام الوزير يتطابق مع المنطوق الرسمي ويطالب دول الجوار بضبط حدودها.
الأمسية كانت مهمة جدا، وحفلت بتفاصيل كثيرة، تطابقت مع رواية الدولة، ولم تعاكسها، مثلما جاءت في توقيت حساس يفيض بالأسئلة والأجوبة حول كل التحديات التي نعيشها.