كما فهمنا من الحكومة أنها تنوي تقنين الإجازة دون راتب بحد أقصى ثلاثة أشهر في السنة الواحدة ومكررة بحدها الأقصى ثلاث مرات طيلة خدمة الموظف في الحكومة، مما يعني أقصاها سنة واحدة متقطعة بثلاثة أشهر في كل مرة.
علينا أن ندرك تماما أننا بصدد الحديث عن نظام موارد بشرية لموظفي الجهاز الحكومي بأكمله وليس نظام موارد بشرية لمؤسسة أو شركة أو مشروع.
وضع سقف للإجازة دون راتب بثلاثة أشهر في كل مرة وبحد أقصى ثلاث مرات يتعذر معه العمل في أي مكان وإنما ربما لظروف اجتماعية كما أن هذا النص قد يخدم فئة قليلة بحيث يستطيعون الاستفادة من هذه الميزة في العمل في المشاريع التي تمولها الجهات الداعمة والعودة إلى عملهم في الحكومة أو السفر لخارج الأردن للمشاركة في مشروع استشاري أو تقييمي أو غير ذلك والعودة بعدها إلى عملهم في الحكومة. بكل تأكيد هذا النص يتعذر معه على الموظف أن يعمل في أي مكان آخر بشكل عام.
لا شك في أن إلغاء مبدأ الإجازات دون راتب برأيي أمر غير وجيه بل غير حكيم، فلا بد من الإبقاء على هذا المبدأ فنحن جميعا نعلم أن تحويلات العاملين في الخارج لا يستغنى عنها. كما أن الموظف المجاز دون راتب عندما يعمل في مكان خارج الحكومة سواء خارج البلد أو داخلها يكتسب معرفة ومهارات يستفاد منها عند عودته الى دائرته المجاز منها.
أما القول أنه يحجز شاغرا وظيفيا إلى أن يعود فهذا الأمر من السهل بمكان معالجته بأن يعود إلى قائمة مؤقتة في دائرته ويتقاضى نفس راتبه ولا يحجز له شاغره لحين عودته بل يعين عند عودته عندما يتاح شاغر مدير أو رئيس قسم بالتنافس وفق أسس الجدارة والاستحقاق مع بقية الزملاء في دائرته.
ومن الممكن أيضا أن تكون إجازته دون راتب في أول مرة لمدة سنة واحدة ذلك لأن الطرف الآخر المتعاقد معه لا يعطي الموظف عرض عمل لأكثر من سنة واحدة خصوصا في البداية. وبعدها يتم تمديدها من عدمه لمدة ثلاث سنوات مثلا حتى لا يحجز شاغرا وظيفيا وهكذا في كل مرة يمدد فيها إجازته. بهذا تستطيع الدائرة تعيين بدل مجاز لمدة أطول وفق أسس الكفاءة والاستحقاق.
أن يعمل الخريج من الجامعة أو الكلية لمدة ثلاث سنوات بدل مجاز، فهذا الأمر يفتح له فرص العمل خارج الأردن وداخله في القطاع الخاص ذلك لأنها جميعها تتطلب وجود خبرات عملية. وهذا هو التحدي الكبير أمام الخريجين الجدد.
أما قضية حرمان الأردن من الكفاءات، فهذا برأيي كلام غير دقيق فالأردن لديها مخزون من الكفاءات حتى لو ربع موظفي الحكومة أخذوا إجازات دون راتب.
ولا ننسى أن اكتساب الخبرة حاليا أصبح أمرًا ممكنا وبشكل سريع مع ثورة المعرفة والتكنولوجيا بل اصحبت المؤسسات غالبا ما تبحث عن دماء جديدة وخريجين جدد لديهم أحدث المعارف والمهارات.
تخيلوا إذا جاء الموظفَ عرضُ عمل لمدة سنة وهو يعلم أنه ربما لا يجدد له عقد العمل في الخارج لأي سبب من الأسباب. فهل سيستقيل من عمله في دائرته لمجرد حصوله على عمل قد لا يتجاوز العام؟ بكل تأكيد سيتردد كثيرا لأن درجة المخاطرة عالية وربما لديه أسرة تحتاج الى مصروف ونفقات.
تذكروا أن الحكومة ليست مسؤولة فقط عن تزويد الدوائر الحكومية بحاجاتها من الكوادر البشرية بل عليها اتخاذ كل السبل التي تمكن القطاع الخاص من خلق فرص عمل وكذلك التأهيل وبناء القدرات لتسهيل عملية الحصول على فرص عمل للمواطنين وهذا دورها الدستوري ضمن الإمكانات، فتعيين بدل مجاز يأتي من باب بناء القدرات التي تفتح آفاقا خارج الحكومة للتوظيف أو العمل الخاص.
أما التوجه إلى التعيين بموجب عقود شاملة بالكامل في المستقبل، فأتمنى أن لا يكون ذلك بداية الانفلات وبالتالي قد يعين عدة أشخاص لديهم نفس المؤهلات والخبرات في وظيفة واحدة وبرواتب مختلفة. وهذا ينال بكل تأكيد من دافعية الموظفين نحو العمل بل والشعور بالإحباط وعدم الإنجاز وهذا ينعكس على الأداء العام. هذه الأمور تحتاج إلى ضوابط محكمة وسقوف.
المهم أن ندرك أننا نخطط لدولة وليس لمؤسسة واحدة أو شركة أو مشروع.
ثم إن الحكومة في حديثها عن الكفاءات (حسب معاييرها) قد عينت عددا منهم بعقود ورواتب فلكية وفي الخفاء. ولكن للأسف هؤلاء الذين تعتبرهم الحكومة «كفاءات» لا ينجزون المهام والأعمال بأنفسهم، بل إن دورهم لا يتجاوز دور الرجل الوسيط «middle man» حيث يتم التعاقد مع شركات للقيام بالمهام. والسؤال لماذا أطلقتم عليهم كفاءات ما دام دورهم لا يتجاوز الوسيط لتمرير الأعمال؟
خلاصة القول، الخلل يعود إلى نمط التفكير ونهج العمل ومحدودية المعرفة وسطحيتها. وكم يتمنى المواطن أن يرى إنجازًا حقيقيا أو خطوات أو مجرد خطوة في الاتجاه الصحيح. بكل تأكيد لن يبخل حينها في الثناء على المسؤول فليس بينه وبين المسؤول إلا المودة والخير. ولكنه بالتأكيد لا يقبل أن يجامله على حساب الأوطان حتى لو أخذوا به ليتصدر جلسات التحدث والنقاش.