زاد الاردن الاخباري -
احتدمت عمليات القصف الجوي والأرضي الكثيف والاشتباكات الدامية في مدن العاصمة الثلاث، الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري، إضافة إلى مدينتي الفاشر ونيالا في إقليم دارفور، ومناطق أخرى وسط السودان، مما أدى لمقتل المئات خلال الأيام الأخيرة، وسبب دمارا هائلا في البنى التحتية والسكنية.
ومع غياب أي مؤشرات على رضوخ طرفي القتال، الجيش وقوات الدعم السريع، للضغوط الدولية الرامية للعودة إلى طاولة المفاوضات، تزداد القناعات داخل السودان وخارجها بأن الحرب المستمرة منذ أكثر من عام باتت خارج السيطرة.
تشهد العديد من مناطق العاصمة عمليات قصف عشوائي مكثف من طرفي القتال، مما أودى بحياة أكثر من 80 مدنيا خلال 4 أيام في شمال غرب أم درمان وجنوب الخرطوم، وقتلت أسر بكاملها نتيجة سقوط "دانات" ومواد متفجرة في منازلهم.
وتحدثت تقارير عن مقتل المئات من الأسرى في القصف الجوي الذي نفذه طيران الجيش في الساعات الأولى من صباح الأربعاء، على مصفاة النفط الرئيسية بمنطقة الجيلي شمال الخرطوم.
وخارج العاصمة، تشهد مناطق شمال وغرب وجنوب الجزيرة اشتباكات عنيفة أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 40 شخصا منذ صباح السبت وحتى الآن، كما تشهد مناطق عديدة في الفاو بشرق البلاد وولاية النيل الأبيض عمليات قصف مدفعي وجوي مستمرة لأكثر من أسبوعين.
الفاشر تحترق
وبسبب احتدام الاشتباكات في الفاشر في إقليم دارفور، قتل المئات من المدنيين خلال الأيام الثلاث الماضية، وتعرضت العديد من المنشآت الحيوية في المدينة لدمار كامل.
وتوقفت المستشفيات الرئيسية في الفاشر بالكامل عن الخدمة، بما في ذلك المستشفى السعودي للنساء والولادة، كما أصيب مركز غسيل الكلى الرئيسي في المدينة بأضرار بالغة بسبب المعارك.
وقال مصدر طبي ، إن حياة مئات الجرحى وآلاف المرضى باتت في خطر كبير في ظل انهيار النظام الصحي في المدينة التي تؤوي أكثر من مليون ساكن، ونشرت قوات الدعم السريع مقطع فيديو تؤكد فيه خروج فريق أطباء بلا حدود من المناطق الخاضعة لسيطرتها.
والخميس اتهمت رابطة محامي دارفور في بيان الحركات المسلحة شمالي دارفور بحرق معسكر نيفاشا للنازحين، في "سيناريو مكرر لأحداث عام 2003 عند بداية الصراع في دارفور، إذ عملت الحركات المسلحة على حرق القري بنفسها لتهجير السكان إلى تشاد، لتأليب الراي العام العالمي وتدويل قضية دارفور حينها"، وفق البيان.
وأشار البيان إلى نزوح آلاف سكان المدنيين، ودعا الأمم المتحدة والمفوض السامي لحقوق الإنسان لتشكيل فريق تحقيق دولي لـ"محاسبة المجرمين الذين اتخذوا من النازحين دروعا بشرية وجعلوا الوضع في معسكرات النازحين يشهد ترديا وتدهورا أنتهى بالحريق".
قلق دولي وحلول غائبة
يتصاعد القلق الدولي حيال الأوضاع التي تزداد تفجرا في السودان، في ظل جهود مكثفة لتطويق الوضع، لكن مراقبين يرون أن المساعي الدولية لا تزال تواجه بتعنت شديد.
وأعاد الأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو غوتيريش التأكيد على خطورة الأوضاع في السودان، مشددا على أن الحل الوحيد المتاح يتمثل في العودة لطاولة المفاوضات.
كما حث مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، قائدي الجيش عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، على مضاعفة الجهود من أجل التوصل إلى حل تفاوضي، بما في ذلك استئناف مفاوضات وقف إطلاق النار على الفور، وتيسير الوصول الشامل للمساعدات الإنسانية في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات كل منهما.
وعبر تورك عن "رعبه" من تصاعد العنف، مشيرا إلى تسبب الأعمال العدائية بين الجيش من جهة، وقوات الدعم السريع والجماعات المسلحة المتحالفة معها من جهة أخرى، في خسائر فادحة في صفوف المدنيين.
والثلاثاء أجرى تورك مكالمتين هاتفيتين منفصلتين مع البرهان ودقلو، وحثهما فيها على التحرك الفوري وبشكل علني لتهدئة الوضع، كما دعاهما إلى تنحية المواقف المتصلبة جانبا واتخاذ خطوات محددة وملموسة لوقف الأعمال العدائية وضمان الحماية الفعالة للمدنيين، حسب التزامهما بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، فضلا عن التزاماتهما بموجب إعلان جدة المتفق عليه في مايو 2023.
ويجري المبعوث الأميركي توم بيريللو حاليا ثاني جولة مناقشات له في أقل من شهر مع أطراف إقليمية لإيجاد حل للأزمة، لكن حتى الآن لم تظهر أي مؤشرات على إمكانية عودة الطرفين لمفاوضات منبر جدة التي تأجل موعد استئنافها 3 مرات خلال الشهرين الماضيين.
وتسعى الوساطة الأميركية للضغط على طرفي القتال من أجل العودة إلى مفاوضات جدة، التي أكدت الأمم المتحدة وأطراف دولية فاعلة على ضرورة إدماج كل المبادرات فيها، بما في ذلك خارطة الطريق الإفريقية المكونة من 6 نقاط، التي يرى الكثيرين أنها تشكل الحل الأكثر واقعية وتشمل إدخال قوات إفريقية مدعومة من الأمم المتحدة للفصل بين القوتين المتحاربتين، وتجميع قوات الجيش والدعم السريع في مراكز خارج المدن، وفتح مسارات إنسانية عبر لجنة أممية تساعدها لجنة خبراء وطنية غير حكومية، ثم البدء في عملية سياسية تنطلق من معطيات الصيغة التي تم التوصل إليها قبل اندلاع الحرب.
ويشكك أستاذ العلوم السياسية في الجامعات السودانية محمد خليفة، في إمكانية نجاح الجهود الدولية في وقف الحرب.
ويقول: "رغم أن خارطة الطريق الإفريقية تحظى بتأييد دولي وإقليمي كبيرين، فإن قيادة الجيش تتلكأ في القبول بها لأن سفنها محترقة مع كل الأجسام الإفريقية، من الاتحاد الإفريقي إلى إيغاد إلى العديد من دول الجوار، فما زالت عضوية السودان معلقة في الاتحاد، وتجميد العضوية في إيغاد ما يزال في مكانه".
ويشير خليفة إلى أن "قيادة الجيش ترفض أن توضع على قدم المساواة مع قوات الدعم السريع، وترفض دخول قوات أجنبية البلاد".
مؤشرات مخيفة
اتسعت رقعة القتال خلال الأسابيع الماضية لتشمل أكثر من 70 بالمئة من أنحاء السودان.
ارتفع عدد القتلى المدنيين إلى أكثر من 30 ألفا، وفر أكثر من 13 مليونا من منازلهم منذ اندلاع القتال، وفقا لإحصاءات جديدة أعلنتها جبهة نقابية تضم نقابة أطباء السودان.
تشهد معظم مدن ومناطق السودان اشتباكات عنيفة وعمليات قصف مكثفة، ويواصل طيران الجيش قصفه المكثف على عدد من المناطق في العاصمة ومدن أخرى في ولايات الجزيرة وكردفان ودارفور، مع نقص خيارات الملاذات الآمنة.
يتزايد شبح المجاعة الذي يطوق نصف سكان البلاد البالغ عددهم نحو 42 مليونا، ويعاني أكثر من 60 بالمئة من السكان العالقين في مناطق القتال والفارين لمعسكرات النزوح نقص الغذاء في ظل قطع إمدادات المساعدات وارتفاع أسعار المواد الأساسية.
انهار الجنيه السوداني، إذ يتم تداول الدولار الواحد بنحو 1700 جنيها مقارنة بأقل من 600 جنيها قبل اندلاع الحرب.
خرجت الأسواق الرئيسية في العاصمة ومدن أخرى عن الخدمة تماما، كما ارتفعت أسعار المياه بشكل كبير بعد تعطل عدد من محطات المياه، في ظل إظلام كامل في معظم مدن ومناطق البلاد وانقطاع مستمر لخدمات الاتصالات.