يحتفل الأردنيون بالذكرى الـ 78 لاستقلال بلدهم، هذه مناسبة للتذكير بالدولة الأردنية التي صمدت واستمرت، وأنجزت وازدهرت، والأجداد والآباء الذين بنوا وصبروا، والتفوا حول قيادتهم ولم تزعزعهم العاديات، والأبطال والشهداء الذين ضحوا وامتزجت هذه الأرض بدمائهم الزكية، وهي مناسبة، أيضا، لاستدعاء تاريخنا الأردني الممتد عبر آلاف السنين، ومواقفنا الوطنية التي أورثتنا الكرامة والكبرياء والشرف.
يفهم الأردنيون معنى استقلالهم الذي انتزعوه بإرادتهم الصلبة، ويعتزون به، فقد أقاموا فوق مداميكه دولة عنوانها الكرامة؛ كرامة الإنسان وكرامة الوطن، الكرامة المعركة والكرامة المشروع، وشيّدوا طريقا للسلامة الوطنية، أخذتهم من الأزمات التي تراكمت، والزلازل التي التي انفجرت بالمنطقة، إلى برّ الأمان.
وبين الكرامة والسلامة صار بوسع الأردنيين أن يفتحوا أعينهم على واقعهم ومستقبلهم، وأن يسألوا : كيف صمدنا ومازلنا واقفين على اقدامنا طيلة هذه العقود؟ ثم ماذا أنجزنا وأين أخطأنا وأصبنا؟ الإجابات حاضرة تماما حين نستدعي الإنصاف، ونحتكم لضمائر الحية، ونطرد من الأذهان الأساطير التي روّج لها من لا يؤمنون بالأردن، ولا يرونه إلا مشروعا لخدمة أغراضهم وأجنداتهم العابرة.
مهم، بمناسبة الاستقلال، أن نعرف كيف صمدنا ولماذا نجونا من كل العواصف التي واجهتنا، ومهم أن نعترف بهذا الصمود ونعتز به ونقدره، ومهم، أيضا، أن نتوافق على أن وراء هذا الصمود إنجاز اسمه «الدولة « يُسجل باسم الأردنيين الواقفين على اقدامهم في مواقع العمل والإنتاج، والانتماء والإخلاص، لا في مواقع المتفرجين أو الجاحدين، لكن الأهم هو أن نعرف كيف سنصمد في الأيام القادمة، وهي ربما تكون أصعب من التي مرت، وكيف نحول هذا الصمود إلى حركة بناء وطني، تعيد للأردنيين ثقتهم بمؤسساتهم، وترفع همتهم، وتضمن منعة بلدهم.
مهم أيضاً، بمناسبة الاستقلال، أن نعيد التذكير بأن لدى الأردنيين ثوابت أشبه ما تكون بالمقدسات، وهي العرش والجيش، والوحدة الوطنية الضامنة لاحترام التعددية ومنع الانقسام، ثم المؤسسات والقانون، الأردنيون الذين يؤمنون بالدولة، مهما اختلفت مواقعهم ومواقفهم، لا يسمحون لأحد أن يمس بهذه الثوابت التي تشكل، دستوريا وأخلاقيا وتاريخيا، المرجعيات الأساسية والقواسم المشتركة، أو إن شئت، الخيمة التي يستظل بها الجميع، لانهم يعتقدون أنها صمام الأمان للبلد، وسر استقراره واستمراره أيضا.
مهم، في ذكرى الاستقلال، وبهذا التوقيت بالذات، أن نذكّر الذين يحاولون أن يستفردوا بالشارع، وأن يتقمصوا أي قضية من خارج حدودنا لكي يضعونا تحت قبضتهم، والآخرين الذين لا يعجبهم أن نستدير إلى الداخل ونلتفت إلى قضايانا وأزماتنا وسيرورة حياتنا، أن نذكرهم بأن صناعة الانقسام وافتعال الصدام، يصب في مصلحة أعدائنا الذين يتربصون بنا على الحدود، كل الحدود، وأن سماحة الأردنيين، النظام والشعب معا، لا يجوز أن تُفهم في سياقات استمراء الاستقواء، أو اختبار نفاد الصبر، لا يوجد ندّ للدولة داخلها، ولا فرصة لكسر المعادلات التي قامت عليها، ولا سلطة إلا للقانون.