كلمة الملك عبدالله الثاني في القمة العربية الثالثة والثلاثين في البحرين تؤكد على الإلتزام الإردني الكامل بالقضايا العربية المشتركة وعلى رأسها القدس والمقدسات، حيث أن العمق العربي للمملكة الأردنية الهاشمية يشكل أحد الثوابت الإستراتيجية في السياسة الخارجية مرتكزا على الإنتماء المشترك والعديد من الروابط ونقاط الإلتقاء مع باقي الشعوب العربية الشقيقة.
إن الخطاب يؤسس بكل مسؤولية ووضوح لرؤية جديدة لمعالجة القضايا العربية المشتركة وفق مقاربة واقعية تهدف إلى مواجهة الوضع العربي الراهن الذي يواجه مخاطر أمنية متعددة الأبعاد وتحديات تنموية لها راهنيتها بالنظر إلى الأزمات التي تهددها بالفشل.
فالمملكة الأردنية الهاشمية لها دور تاريخي في العمل العربي المشترك أسسه الملك الراحل عبدالله المؤسس إنطلاقا من تأسيس الإمارة وكرسه الملك الراحل الحسين بن طلال بتوازناته العربية وعلاقاته الدولية المتشعبة وحافظ عليه الملك عبدالله الثاني بنهج سياسي واقعي ودبلوماسية إستباقية صادقة.
الخطاب الملكي تناول ملفين لهما راهنيتهما على طاولة صانع القرار السياسي العربي: القضية الفلسطينية بتشعباتها الإقليمية والدولية والتكامل العربي لدوره الكبير المنتظر في رسم مستقبل مغاير للشعوب العربية .
جدد الملك عبدالله الثاني التذكير بموقف الأردن الثابت إزاء القضية الفلسطينية من خلال إمتداداتها الجيوسياسية وتقاطع مصالح أكثر من طرف إقليمي ودولي، يشكل التوصل إلى حل مستدام وشامل لها الهدف الأسمى والخطوة الأولى لتحقيق الإستقرار وتعزيز الأمن في منطقة الشرق الأوسط.
الموقف الأردني إزاء حقوق الشعب الفلسطيني لم يتغير بتغير الفاعلين أو تغير الشروط الموضوعية للصراع في الشرق الأوسط، بل إن الأحداث الأخيرة كانت فرصة لتأكيد الموقف الأردني من هذا الملف الذي شكل طوال عقود أولوية قصوى، فقد حدد الخطاب بكل الوضوح المطلوب وبدون مواربة وإنطلاقا من مسؤولية تاريخية موقف الأردن الرسمي والشعبي الرافض للعدوان الغاشم الذي تشنه آلة الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة مستهدفة المدنيين من أطفال ونساء وكبار السن، حيث تم تسجيل فظائع إنسانية في حق الشعب الفلسطيني حركت معها ضمير العالم.
وجدير بالذكر أن مواقف الملك عبدالله الثاني المتقدمة في هذا الملف كان لها دورها المتميز في دفع كل القوى الحية في العالم إلى تحمل مسؤوليتها التاريخية إزاء المجازر التي ترتكبها آلة الحرب الإسرائيلية في حق المدنيين العزل في قطاع غزة وتعزيز كل المطالب الدولية بوقف فوري لإطلاق النار في القطاع وضمان تدفق المساعدات بشكل انسيابي إلى المنكوبين فيه، وكذلك وقف الإستفزازات التي تنفذها عناصر إسرائيلية متطرفة بدعم من جهات حكومية إسرائيلية في الضفة الغربية، في رسالة قوية ومباشرة تضع مختلف القوى الحية في العالم أمام مسؤوليتها الأخلاقية بضرورة التدخل العاجل لوقف الأعمال العدائية في القطاع وفتح الممرات الإنسانية لتقديم المساعدات للمدنيين العزل وإطلاق عملية سياسية تنهي المآسي الإنسانية التي يمر بها الشعب الفلسطيني.
الخطاب وضع النقاط فوق الحروف بالدعوة المفتوحة الموجهة إلى القادة والحكام العرب والأوساط الحكومية من أجل البحث عن إطار مرجعي مشترك جديد وفق رؤية عربية متكاملة لمعالجة القضايا العربية، مؤكدا ضرورة وجود “تصور إستراتيجي مشترك، وتوفر إرادة سياسية صادقة، لتوطيد وحدتها ورص صفوفها، بما يخدم المصالح المشتركة لشعوبنا، وتحقيق تطلعاتها إلى المزيد من التفاهم والتواصل والتكامل بين مكوناتها”.
الدكتور هيثم عبدالكريم احمد الربابعة
أستاذ اللسانيات الحديثة المقارنة والتخطيط اللغوي