أخرجت حرب الاحتلال الإسرائيلي على أهلنا في غزة المرحلة بأكملها من التاريخ المألوف الذي اعتادت به البشرية في حالة الحروب دخولها بموازين قوى وإن اختلفت لكنها تبقى حاضرة، لا أن نرى هذا الحجم من جرائم الحرب ترتكب يوميا إن لم يكن كل ساعة دون رحمة أو حتى مواقف حقيقية توقف هذه الحرب التي بات عدادها يرتفع بعدد أيامها لتصل إلى ثمانية أشهر.
وإن كنت أسعى جاهدة لعدم الكتابة عن هذه الحرب، لعجز لغتي عن مواكبة بشاعة هذه الحرب، التي حقيقة أخرجتنا عن التاريخ، إلاّ أن حجم الجرائم والمجازر المرتكبة وما نراه اليوم في رفح من جرائم، يجعل من محابرنا تسيل من جديد بحبر وإن كان بخجل لكن في الكلمة اليوم سلاح يعزز من صمود أهلنا في غزة. ما يحدث في غزة ورفح يصيب أقلامنا بسكتة قلمية، وعقولنا بجفاف الفكرة، ففي وصف ما يحدث أو الكتابة عن إدانته واستنكاره نواجه حقيقة عجزا لغويا، لنحكي غضبنا ووجعنا وحتى مفاجأتنا بحجم العنف الذي يوقعه الاحتلال على أهلنا في غزة وللأسف حتى اللحظة لم يواجه بأي موقف حقيقي لوقفه.
حرق الإنسان، بل حرق الأطفال والنساء، أيّ إجرام هذا، أي جريمة هذه، أي عنف وأي إغفال للإنسانية، هو ما قام به الاحتلال الإسرائيلي حين أحرق الغزيين في رفح، بل قصف وحرق مخيما للنازحين قرب مقر لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا» غربي رفح، في تحدٍ صارخ لقرارات محكمة العدل الدولية وانتهاك جسيم للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، دون أن يتحرك لهم جفن، أو ترمش لهم عين، إن كانوا يملكون هذه الحواس!!!.
ما يحدث في غزة وعلى مرأى من العالم دون تحريك ساكن، هذا الصمت، وردود الأفعال الباردة مقارنة بنار الاحتلال، يجعل المحتل يزداد عنفا وإجراما على أهلنا في غزة، فلم تبق جريمة حرب لم يشهدها الغزيون من قتل وتدمير ومجاعة وتعليم وصحة وحقوق دينية وتاريخية وتراثية وغيرها من الجرائم، التي بدأت بعد (7 أكتوبر) ولم تنته حتى اللحظة، بل على العكس تزداد إجراما وعنفا، دون محاسبة أو ردع للمحتل، فهل يعقل أن الصورة ما تزال منقوصة عند بعض دول المجتمع الدولي المؤثرة لتتقدم خطوة نحو نُصرة غزة وفلسطين!!!.
ما على المجتمع الدولي القيام به اليوم هو ما دعا ويدعو له الأردن منذ ثمانية أشهر، إذ يطالب بضرورة التحرك بشكل فوري وفاعل وإلزام إسرائيل بتحمل مسؤولية ممارساتها ومحاسبتها على أفعالها، ووقف انتهاكاتها المستمرة والمتواصلة لقواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وتأمين الحماية للمدنيين العزّل في غزة ولمنظمات الإغاثة وموظفيها، وخاصة الأونروا التي تقوم بدور إنساني كبير في تقديم المساعدات الإنسانية والخدمات للأشقاء الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها قطاع غزة، بتأكيدات مستمرة على أن ما يقوم به الاحتلال في غزة من أفعال وجرائم يمثل انتهاكاً صارخاً لقواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، ويتنافى مع كافة القيم الإنسانية والأخلاقية، ويمثل جرائم حرب على المجتمع الدولي بأكمله التصدي لها ومحاسبة المسؤولين عنها.
بقاء هذا الصمت يسكن تفاصيل المشهد خارج غزة، أمر لا يتنافى فقط مع القوانين الدولية إنما مع الإنسانية، ومع القيم الإنسانية والأخلاقية، لا نحتاج أرقاما أكثر لأعداد الشهداء، ولا لجرائم أخطر وأبشع فما يحدث وحدث حقّا أخرجنا من تاريخ المألوف من الحروب، يحتاج مواقف حقيقية وتحركا دوليا لجهة وقف الحرب، ودون ذلك تبقى ردود الفعل مجرد فقاعات صوت!!!.