نحاول التحدث عن 25 عاماً مضت، من مسيرة أردنية لن تنتهي بعون الله، بعيدا عن الخطابات الخشبية، التي يجهد الناطق بها نفسه، ليقدم في النهاية أغنية هابطة، غير مسموعة ولا مقنعة، ولأنها 25 عاما تشكل فصلا من فصول مسيرة أردنية ملحمية، يصعب إيجازها بمقالة، لكننا مستمرون بالحديث عن الأردن، وبنائه وعطائه وصموده، ونمائه وتقدمه، فهذا دورنا وواجبنا، بعيدا عن الاستعراض والمبالغة والشطط، وقريبا جدا من الصدق والحكمة والانحياز للأردن كله.
كم يبلغ عدد الأردنيين الذين لم تبلغ أعمارهم ال50 بعد، هؤلاء هم السواد الأعظم من الشعب الأردني، وربما هذا هو كل الشعب، الذي عاش وتتلمذ في وطنه، وبنى شخصيته وثقافته وتشكلت ملامح هويته الفعلية في ال25 عاما الأخيرة، وهي :اليوبيل الأول «الفضي»، من عهد جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين الباني، ولو سألنا كل أردني ممن تقل إعمارهم عن ال50: ماذا فعلتم في ال25 سنة الماضية، وكيف تتحدثون عنها، سيكون لكل واحد من هذه الملايين إجابته الشخصية، ولن تتمكن من إيجاد إجابة وجيهة واحدة، لا تذكر الأردن ملكا ودولة وترابا وهواء وماء وظروفا وفرصا وتحديات ونجاحات، وشخصية واثقة.. وهذه ملامح مرحلة من العهد الملكي «العبدلي الثاني»، الذي نسأل الله أن يمتد بذات الروح والهمة والنشاط والحكمة والاجتهاد الملتزم بالثوابت الأردنية.
كانت 25 عاصفات بالخير وبالتحديات، والنتائج من كل المستويات، وكنت في بدايتها شابا متعثرا قليلا بل قل كثيرا، أتابع الشأن الأردني اليومي وكأنه شأن من شؤون حياتي وبيتي، ورأيت فيها ما رأيت وعرفت ما عرفت ونجحت ما نجحت وأخفقت .. وكم أخفقت!.. كان الصخب اليومي أقل حدة وإلحاحا على وجود الهدوء، والشوارع تضيق قليلا قليلا بالناس، فالحياة تضج وتتنامى بشكل يومي متزايد، والأماكن تضيق، وفي كل يوم جهد لتجاوز التحدي الجديد، لا هروب ولا نكوص عن أي استحقاق، ولم يكد يمر يوم دون أن أسمع أو أقرأ أو أشاهد عملا رسميا، يقوده الملك أو أية جهة في الدولة بتوجيهات من الملك أو موافقة أو متابعة، وكنا نقف كأردنيين على منعطفات كثيرة، بعضها محلي، يبشر بانفراجات ما، أو تغيير وتطوير وإضافة مطلوبة في ملف ما، وبعضها دولي، أو إقليمي، أو حتى ظاهرة طبيعية، تستلزم موقفا جمعيا ما، وكانت كلها تتمخض عن نتائج مباشرة وعن نتائج وأهداف وغايات بعيدة المدى و»المنال أحيانا».. لكن الحياة الأردنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية كلها في أتون اختبار جاد، لا ينفع معه التراخي ولا التسويف ولا المماطلة..
شخصيا ربما لا أحتاج أن أسمع ما تقوله الدولة أو ما يقوله جلالة الملك عن اليوبيل الفضي من عهد الملك عبدالله الثاني، فكل الجهود والأحداث والمواقف الأردنية، متصلة، لا تفقد بوصلتها مطلقا، لأنها تسعى لتحقيق غايات هي قناعات وأفكار وأهداف كل الشعب، وتجري في درب متفاوت الخطورة بين سهل ووعر وطبيعي وصعب ومستحيل وقاس، والنسبة العظمى من الشعب الأردني متصلة بالحدث الأردني، تفهمه وتعرفه وتهتم بنجاحه، وبعيدا عن التحشيد والضخ الإعلامي التضليلي، يتداول الناس شأنهم وشأن بلدهم ودولتهم السياسي، بشكل متصاعد، وبنظرة أكثر حكمة واهتماما، فالجميع يحتشد خلف الفعل الرسمي الأردني دونما توجيه من جهة، وهذا اهتمام لا تجده لدى كل شعب، وإن وجدته في شعوب ما، ستجد خلفه فكرة وقضية ثاوية في تلك الدولة، ولا تشبه ما يوجد لدى الأردنيين ملكا ودولة وشعبا.. ولعل هذا الاهتمام من قبل المواطن ومتابعته الحثيثة لشؤون دولته، هي أهم سمات عهد الملك عبدالله الثاني، فمثل هذه الثقافة التي تتطور وتترسخ كل يوم، ليس سهلا أن تبنيها لدى شعب تتناسل في وجهه مختلف أنواع التحديات كل ساعة، وهذا واحد من ملامح التغيير والتطوير والإصلاح، تم تحقيقه بصمت ودون كلفة جماهيرية ولا «ثورية»، فكثير من الدول حاولت «في ال25 عاما الماضية» ترسيخ مثل هذه الثقافة لدى شعوبها، لكنها فشلت وحادت كثيرا عن نهجها، ونتمنى لها العودة من رحلة التيه..وهذه نتيجة ربما حصلت عليها بعض الشعوب في أزمنة ما، لكن بكلف عالية، وثورات ودماء وضياع، لكن أكثرها لم تتمكن من إحداث تغيير وبناء وتحصل على نتائج، كما حصلت عليها المملكة الأردنية الهاشمية، والفرق أن ثمة من يحتفظ بثوابت ويبحث عن التغيير والتطوير، فيحصل على نتائج بطرق ذكية وسلمية وشرعية.. وثمة من يغامر فلا يحقق شيئا إلا «بضربات الحظ».
الحديث يطول.