جاءت كلمة الملك عبد الله الثاني في احتفالية اليوبيل الفضي لتسلم جلالته لسلطاته الدستورية زاخرة بالتحدي، ومفعمة بالأمل، وحبل سري تربط العرش بالشعب الأردني، فالإنجازات أعادها الملك للمجتمع، ويمكن وصف الخطاب بأنه يشحذ الهمم.
سلط الخطاب المكثف، والموجز الكلام على الداخل الأردني، فاليوبيل الفضي مناسبة للاحتفاء الوطني بصمود الدولة الأردنية، وتماسكها، ووحدتها رغم العواصف العاتية في الداخل، والخارج.
احتفى الملك بالأردنيين في عيد جلوسه، فوصفهم بالجباه المرفوعة، والهامات العالية، وتوقف عند شجاعة جندي لنجدة أم وأطفالها ليصلوا بر الأمان، وإنسانية طبيب لم يتردد في مساعدة أشقائه تحت القصف، ووسط المعارك، وقبلها وبعدها إخلاص معلم أدى رسالة ليبني جيلا، وإصرار شاب بادر، وأنجز ليبني وطن.
تضحيات الأردنيين والأردنيات ليبقى وطنهم صامدا في عين العاصفة، لم يجعلهم يتوانون لحظة عن الدور الانساني للأردن في العقود الماضية.
ربما تكون التشاركية العنوان الأبرز للخطاب، فالملك يرى حكمه قويا، عصيا بمساندة شعبه، ولهذا يُرجع الإنجاز لهم، والصبر، والصمود بعزيمتهم.
يُدرك الملك في خطابه أن 25 عاما من حكمه لم تكن رحلة معبدة في الورود، فالأردن ظل وسط ألهبة النار، يعيش في إقليم مضطرب، موارده محدودة، ولكنه ظل يُدوّر الزوايا الحادة، ليقلل الخسائر، ويُعظّم الإنجاز.
لم يسرد الملك في خطابه التحديات، والمعضلات، وإن أشر للفتن، والحروب، والفوضى التي مرت، والفاحص لربع قرن من الحكم يمكن أن يرصد بسهولة الأزمات التي توالت، وتناسلت، أولها كان ملف الإرهاب الذي انفجر عالميا بعد العمليات الإرهابية وتفجيرات سبتمبر، وانتقلت شظاياها للداخل بتفجيرات الفنادق في عمّان، وتبعها التغيير السياسي العاصف بإسقاط نظام الرئيس الأسبق صدام حسين، وما تبعها من تحولات سياسية في الداخل العراقي كان لها أثر كبير على الأردن، فمن تنظيم القاعدة إلى داعش كان الأردن على خط النار.
المحطة الأهم كان «الربيع العربي» وتداعياته في النسخة الأردنية، ومرونة الحكم في الأردن للاحتواء، وبناء التفاهمات المجتمعية للعبور إلى بر الأمان.
وما أن نهضنا رغم المصاعب الاقتصادية المستمرة، كانت جائحة كورونا ضربة موجعة للاقتصاد، حاول الأردن ان يبني مقاربته للتعامل معها، ما بين إغلاق وانفتاح، ودخول قوي لمؤسسة الضمان الاجتماعي للإنقاذ، وخرجنا بخسائر، ولكن بقينا قادرين على النهوض.
التحديث عنوان في الخطاب، وهو تحديث اقتصادي، وتفاصيله كثيرة، وسياسي عنوانه الأحزاب في الانتخابات القادمة، لكن التحديث الأهم هو الاستثمار في الإنسان الأردني لولوج العالم الرقمي، فقد كان الأردني وسيبقى أغلى ما نملك.
التحديات ستبقى وتستمر، فلم تبدأ قصة الأردن اليوم، بل تعمّدت بالتضحيات طوال أكثر من مائة عام، ولهذا فإن الأردن سيبقى حرا، عزيزا، كريما، آمنا، مطمئنا، وعلى العهد ماضون.
كانت الاحتفالية لوحة جميلة، ربطت التراث، والتاريخ بالحاضر، والمستقبل، وأبرزت جمال الأردن في محافظاته، وقدم كل ذلك بمحكيات، وأهازيج أردنية ظلت حاضرة في وجدان الناس.
شكرا لأمانة عمان التي أبدعت، وللتشريفات الملكية في متابعة التفاصيل، والإشراف عليها، ولكل مؤسسات الدولة، وكل من شارك، وشاركت ليكون الاحتفال بهيا.