زاد الاردن الاخباري -
أطلقت مشاهد صادمة لمواجهة مسلحة في أحد شوارع مدينة أربيل مركز إقليم كردستان العراق، صفارة إنذار بشأن تفاقم ظاهرة حمل السلاح خارج نطاق الأجهزة الرسمية والتحاق الإقليم تدريجيا بباقي مناطق البلاد التي تشهد فوضى سلاح عارمة مؤثرة بشكل واضح على مستوى الاستقرار فيها ومعرقلة لبسط سلطة الدولة بشكل كامل ومستدام.
وخلال أكثر الفترات توتّرا في العراق في مرحلة ما بعد الغزو الأميركي له، تمتّع الإقليم الذي تحوّل بدفع قوي من الولايات المتّحدة إلى منطقة حكم ذاتي بقدر كبير من الاستقرار قياسا بباقي المناطق العراقية ما أكسبه صورة المجال المهيّأ لاحتضان حركية اقتصادية نشطة ولجلب المستثمرين.
لكنّ ظاهرة الانتشار الفوضوي للسلاح وتعدّد الجهات الحاملة له والمُحْتَكمة إليه بشكل متزايد في فض منازعاتها وتصفية حساباتها ضدّ خصومها بدأت تحدث خدوشا غائرة في تلك الصورة.
ويرى مطّلعون على الأوضاع في الإقليم أنّ التوتّرات السياسية المتفاقمة داخله ليست بعيدة عن توسّع الظاهرة. ويشير هؤلاء إلى وجود تأثير لانقسام قوّاته من بيشمركة (جيش الإقليم) وأسايش (شرطة الإقليم) بين الحزبين الكبيرين المتنافسين باستمرار على السلطة؛ الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة أفراد أسرة بارزاني وحزب الاتّحاد الوطني الكردستاني بقيادة ورثة الرئيس الراحل جلال طالباني، على الوضع الأمني العام في كردستان العراق.
وتذهب بعض المصادر حدّ اتّهام الحزبين بتشجيع جهات مدنية وعشائرية في أغلب الأحيان مقرّبة من كلّ منهما على حمل السلاح لاستخدام تلك الجهات عند الحاجة في تصفية الحسابات بالوكالة دون التورّط في ذلك بشكل مباشر.
وتعدّدت خلال السنوات الأخيرة بشكل مثير للقلق الحوادث المرتبطة بفوضى السلاح في الإقليم سواء تعلّق الأمر بالمواجهات العشائرية أو بالجريمة المنظمة أو بالاغتيالات في نطاق تصفية الحسابات الشخصية والفئوية والحزبية.
وشهدت منطقة أربيل الجديدة بمركز الإقليم الذي يفترض أن يتمتّع بقدر عال من الأمن والاستقرار، الإثنين، اشتباكا مسلحا أوقع ثلاثة قتلى وعددا من الجرحى.
وصورت مقاطع فيديو متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي معركة تدور في الشارع بين مجموعتين مسلّحتين. وصُدم المشاهدون بـ”الأريحية” التي ميزت عملية التراشق بالسلاح وبرودة الدم التي أقدم بها أحد المشاركين في المواجهة على قتل عنصر من المجموعة المقابلة.
وأخذت المعركة حيزا زمنيا لم يسجّل خلاله أي حضور أو تدخّل للأجهزة الأمنية الرسمية.
وأحرجت الحادثة السلطات المحلية التي سارعت إلى محاولة تبريرها والتهوين من شأنها. وأرجع محافظ أربيل أوميد خوشناو سبب الاشتباك إلى خلاف على قطعة أرض “تم تسليمها لمستثمر ولكن لم يتم تنفيذ المشروع وتمت استعادة الأرض لاحقا ومُنحت لمستثمر آخر”.
وقال في مؤتمر صحافي عقده الثلاثاء إنه تم إلقاء القبض على عدد من الأشخاص على خلفية النزاع المسلح الذي تعود جذوره، بحسب المحافظ، إلى أكثر من عشر سنوات تواجه خلالها الطرفان عدّة مرّات أمام القضاء لكنهما لم يتوصلا إلى حلّ.
وتؤكّد الملاحظة الأخيرة لخوشناو ما تثيره جهات سياسية محلية بشأن وجود قصور في مؤسسات الإقليم وقوانينه في فض المنازعات ما يدفع الأفرقاء إلى الاحتكام للسلاح.
ويمتلك إقليم كردستان العراق جملة من الميزات مقارنة بباقي مناطق العراق يفترض أنّها مساعدة له على تحقيق قدر كبير من الهدوء والاستقرار، أبرزها إلى جانب وحدته القومية عدم تشتت السلطة بين عدد كبير من القوى مثلما هي الحال في عموم العراق حيث تتنازع العشرات من الأحزاب والميليشيات المسلّحة على الحكم وما يوفّره من امتيازات مادية ومعنوية.
ويهيمن حزبا بارزاني وطالباني بشكل رئيسي على مقاليد الحكم المحلّي في كردستان العراق، ولكنّهما لا ينجحان دائما في التوصّل إلى صيغ لتقاسم السلطة وينساقان إلى صراعات مؤثّرة على مختلف مظاهر الحياة من اقتصادية وسياسية وحتّى أمنية.
ولا يغيب السلاح في بعض الأحيان عن صراعات الحزبين.
وتسببت عملية اغتيال لضابط مخابرات حدثت في أربيل خريف سنة 2022 باضطراب في سلطة الإقليم عندما قاطع الوزراء المنتمون لحزب الاتّحاد الوطني اجتماعات الحكومة على مدى ما يقارب نصف السنّة على خلفية اتهامات للحزب من قبل غريمه الديمقراطي بالضلوع في اغتيال الضابط هاوكار عبدالله رسول المنشق عن حزب طالباني والمنضم لحزب بارزاني.
وإثر الحادثة وجه مجلس الأمن الإقليمي الذي يسيطر عليه الحزب الديمقراطي أصابع الاتهام إلى جهة أمنية تابعة للاتحاد الوطني بالضلوع في تفجير قنبلة بسيارة رسول وأمر باحتجاز ستة رجال وصفهم بأنهم عملاء متورطون في الحادث كما أصدر أوامر اعتقال بحق أربعة مسؤولين أمنيين كبار آخرين من الاتحاد الوطني الكردستاني.
وتقول جهات سياسية وأمنية عراقية إنّ صراعات الحزبين لاسيما عندما تخرج عن السياق السلمي وتنحو نحو العنف تؤثّر على مستوى الأمن في الإقليم وتضعف هيبة سلطاته، وتخلق جرأة لدى العديد من الأطراف على حمل السلاح واستخدامه في الدفاع عن مصالحها وحماية امتيازاتها.
ولا تبرّئ تلك الجهات الأحزاب الحاكمة في الإقليم وعلى رأسها الحزبان الرئيسيان من الضلوع بشكل مباشر في نشر فوضى السلاح. ويقول السياسي الكردي محمود ياسين إن “المجتمع الكردي يميل إلى المدنية ولكن في السنوات الأخيرة بدأت الأحزاب الحاكمة تحاول استمالة العشائر لتعزيز نفوذها”.
ويضيف متحدثا لوكالة بغداد اليوم إن “أحزاب السلطة تستخدم العشائر وتمنحها السلاح والامتيازات”، مشيرا إلى وجود “ضعف في الأجهزة الأمنية كون أغلبها أجهزة حزبية”.
كما يحذّر ياسين من أن “النزاعات العشائرية بدأت تغزو حتى مراكز المدن ولكن أكثرها يحدث في مناطق دهوك وأربيل وأيضا جمجمال وشارزور في السليمانية”، مبينا أنّ “هناك شيوخ عشائر متنفذين ويمتلكون حمايات ولا يسمح لأحد بمحاسبتهم عن أي أشياء يفعلونها، بسبب استخدامهم من قبل الأحزاب الحاكمة، وخاصة في الانتخابات”.
وتذهب بعض المصادر في اتهامها للأحزاب بالمسؤولية عن فوضى السلاح في إقليم كردستان العراق، حدّ القول إنّه لا وجود لسلاح خارج يد السلطة الرسمية المحلية إلاّ ولحامله صلة ما بأحد تلك الأحزاب. وتطالب بناء على ذلك بسحب السلاح من أنصار الأحزاب وتقليل حمايات المسؤولين وغلق محلات بيع الأسلحة في جميع مدن الإقليم، بعد أن زادت خلال الفترة الأخيرة حوادث القتل إلى الحد الذي لم يعد من الممكن اعتبارها مجرّد حوادث عَرَضية.
وطالب السياسي الكردي ريبوار محمد أمين في هذا السياق بوضع حد للمشاكل والخلافات العشائرية، محملا الأجهزة الأمنية في الإقليم مسؤولية زيادة الصدامات المسلّحة بين العشائر، معتبرا أنّ السلاح غير المرخص هو سبب الفوضى، وأنّ من الضروري القيام بحملة أمنية واسعة النطاق لنزعه من يد الجميع ودون اسثناء لأي جهة.