مفهوم الضريبة في الاردن مشوش, ولا يلقى التجاوب المطلوب من المكلفين, فهو في رأي الكثير اسلوب للجباية وليس للتنمية كما هو معمول به في الدول الاخرى خاصة الغربية منها.
لعل هذا الاعتقاد يعود لجملة من الاسباب التي شوهت مفهوم الضريبة وجعلت المكلفين يقاومونها ويتهربون منها بأساليب مختلفة.
الضرائب هي ادوات مالية تستخدمها الحكومات لاعادة التوازن الاقتصادي في المجتمع وبناء طبقة وسطى تكون ركيزة اساسية في حفظ الاستقرار وداعمة للعملية الاقتصادية من خلال قوة استهلاكية وادخارية تمكنها من مواصلة نشاطها باقتدار, ويكون هذا من خلال الاقتطاع الضريبي من المكلفين القادرين وتوجيهه نحو قطاعات رئيسية تخدم المجتمع ولا يكون باستطاعة الكثير من افراد المجتمع دعمها بسبب دخلهم المحدود, وفي النهاية القادر يدفع والفقير يتلقى معونة غير مباشرة, وهذا جزء من العدالة الاجتماعية التي تتطلع اليها الحكومات.
رغم ان ايرادات الدولة المحلية لا تغطي سوى 78 بالمئة من نفقاتها الا انه من المعلوم جيدا ان معظم العائدات تلك تذهب الى تلبية نفقات الدولة المتنامية وسد التزامات القطاعات الخدمية الرئيسية, وهنا لا بد لي ان أشير ان تكريس مفهوم ان الضريبة اداة تنموية لخدمة المجتمع ما زال غائبا على فكر المسؤولين, فالنظرة السوداوية ما زالت تسيطر على المجتمع تجاهها لان اساسها كان معالجة تشوهات الموازنة والاختلالات التي سببتها السياسات الحكومية الخاطئة, والكل يتذكر انه عندما لجأ الاردن الى صندوق النقد الدولي عقب ازمة الدينار سنة 1989 ارتكزت برامج التصحيح حينها على ركيزتين اساسيتين هما زيادة الضرائب واستحداث الجديد منها مثل المبيعات, وانسحاب الحكومة من النشاط الاقتصادي وادارة المرافق والشركات بوساطة برامج التخاصية, لذلك ارتبطت زيادة الضرائب في الاردن بمعالجة الترهل الحكومي, والخلل الذي احدثته السياسات الرسمية لم يكن وليد قناعة من الحكومة بعمليات اعادة توزيع الثروات وبناء الطبقة الوسطى او تلبية احتياجات قطاعات خدمية لم تعد الخزينة قادرة على توفير مخصصات تشغيلها.
في الخارج ارتبطت الضريبة بتقديم خدمة بمعنى انه يتم زيادة الضرائب على الصحة مقابل توجيه تلك المخصصات الى قطاع الصحة او للمراكز المعنية بمعالجة السرطان, واذا ما زيدت الضرائب على الوقود فان تلك المخصصات تذهب لتطوير وسائل النقل وشبكات الطرق, واذا تم فرض ضريبة على الابحاث العلمية فانها تهدف للابداع وايجاد فرص عمل جديدة.
هذه الفلسفة ما زالت غائبة على الاردنيين وهم على حق, فهم لا يثقون بالقرارات الضريبية للحكومة, وهم يرونها وسيلة لسد نفقات الحكومة الكمالية والتي لا تتناسب مع واقع المجتمع وتحديات الاقتصاد الوطني, لا بل ان بعضهم يعتبرها معالجة لسلوكيات اشبه ما تكون بالفساد سرعان ما يتحمل المواطن وزرها وتداعياتها في حين لا يحاسب المسؤول عن ما ألحق بالاقتصاد من اذى.
الحكومة مطالبة باقناع المواطنين بان الضرائب التي تفرض عليهم هي لخدمتهم وتلبية لاحتياجاتهم في خدمات رئيسية وحيوية, وان مخصصات تلك الزيادة تذهب الى تلك القطاعات مباشرة, فدافع الضرائب لن يعترض على ما يحصل منه اذا كان موجها لخدمته من صحة وتعليم ونقل وأمن وغير ذلك.
من واجب الحكومة ان تواجه عجز الموازنة ضمن الخيارات والموارد المتاحة لديها, لكن من حق المواطن دافع الضريبة ان يتلقى خدمات تتناسب مع ما يدفعه للخزينة, وان لا تذهب امواله لمعالجة انفاق رسمي لا يُفيد غير المسؤولين وحدهم.0