دوامة الحرب على غزة لا تنتهي، وتسعة أشهر من القتل والدمار والتهجير، باستخدام أكبر ترسانة عسكرية كما ونوعا وكلفة عجزت عن وضع نهايات لهذه الحرب التي باتت اليوم تسير بلا خرائط أو خطط على الصعيدين الميداني والسياسي، إذ ثمة معسكر برئاسة رئيس وزراء الكيان الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يجيد فن المراوغة وتدوير الازمات والأحداث ولا ينجح في حلها.
نتنياهو يحمل العقيدة اليهودية المتشددة وكره العرب والمسلمين، بل هو عاشق للقتل والموت والإرهاب منذ بداية خدمته العسكرية في إسرائيل عام 1967، إذ شارك في الهجوم على مطار بيروت الدولي عام 1968، وقد أدى الهجوم إلى تدمير أكثر من 12 طائرة مدنية تابعة لطيران الشرق الأوسط، وذلك ردا على اختطاف الفدائيين الفلسطينيين لطائرات إسرائيلية. واشترك بالقتال في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، وانتقل للسياسة وضحى بأقرب مساعديه وشركاءه في محطات كثيرة في الحكم الذي اتسم بالدموية والعنف فكرا وواقعا حتى انه ألف 5 كتب حول الفكر الارهابي الذي يحمله والذي انعكس على غزة عداوة لا تنتهي من معارضة الانسحاب منها 2005، وخاض فيها ستة حروب بدء من 2012 حتى 2023.
نضوج فكرة الهروب إلى الأمام من الازمة إلى ازمات ظلت لازمة مع نتنياهو حتى الحرب الأخيرة التي بدأت في السابع من أكتوبر الماضي في 2023، فما قبلها كانت تلاحق نتنياهو تهم بتلقي الرشاوى والاحتيال وخيانة الأمانة والسرقة وإنفاق الأموال العامة على شراء الطعام ووجه المدعي العام الإسرائيلي له تهما بالفساد، واعتمد سياسة البقاء في مساحة رمادية لا تستدعي اتخاذ قرارات حاسمة، متبعا في ذلك نهج الكذب على جميع الأطراف، مما ساعده في الاستمرار وعدم السقوط حتى الآن، لأنه يرى أن أي قرار لن يرضي كافة الأطراف ومن ثم فهو غير معني باتخاذه، ويفضل الموت البطيء بالاستمرار في الحرب على أمل عودة شريك أكثر فاعلية واقرب إلى فكر الارهاب والعصابات واللصوصية في البيت الابيض مثل ترامب او حدوث معجزة في المستقبل لهذه الحرب التي لا يريد لها نهاية.
يُعَدّ مخرج نتنياهو شِبه الوحيد للإفلات بشكل محتمَل من المحاكمات هو مواصلة الحرب وتحقيق الأهداف المعلنة منها، ومن ثَمّ العودة إلى الجمهور الإسرائيلي بما سيدعي أنها إنجازات، منها نجاحه في إعادة الأسرى، وتصفية حركة حماس، والحديث عن استعادة الردع، وربما السير بعدها إلى مغامرة أخرى مع حزب الله أو غيره، وكل ذلك بُغية كسب الوقت ولتحقيق هدف أبعد، وهو تجنُّب المحاكمات واستعادة سمعته، ما يعني أن فكرة وقف العمليات العسكرية والعودة إلى ما قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر أمر بعيد المنال في الظروف العادية، وربما الانقلاب السياسي على نتنياهو وحكومته سيكون الأقرب وتحقيق طموح وقف إطلاق النار.