حب الأوطان جوهره واحد. تجتمع عليه الأمم والشعوب، بمن فيهم أولئك المحرومون من العيش في كنف «الدولة الوطن» أو «وطن الدولة» كالفلسطينيين والأكراد.
وعلى ذكر التسميات يدرك الأمريكيون العرب، أو العرب الأمريكيون أو عرب أمريكا، يدركون الفارق بين أميركا وأمريكا (بتقديم الياء أو تأخيرها عن الراء، وهو الأكثر شيوعا لفظا ورسما). أما الإشارة إلى الأمة الأمريكية (نحو341 مليون نسمة) كأمريكان فلها ما لها كترجمة حرفية، وعليها ما عليها إعلاميا، من حيث ارتباطها برؤى سياسية ولغة دعائية معادية كانت سائدة منذ خمسينيات القرن الماضي.
شرح لي قبل عقدين أستاذ من الأمريكيين العرب، معتّق في السياسة والصحافة، شرح الفارق بين تلك التسميات (الأميركي والأمريكي والأميركاني)، مشددا على أنه اختار اعتماد «أميركا» لفظا ورسما على هذا النحو، تيمّنا باحتوائها في مطلعها صفة «الأمير» بكل معاني تلك الكلمة الإيجابية كالرقي والفروسية والقيم السامية في الذهن والوجدان العربي والروحي في الأديان التوحيدية الثلاثة، فيما أصرّ على أن تسمية «أمريكان» و»أمريكيا» (ياء بعد الكاف!) فيها تذكير بالخطاب «العدائي» أو المعادي منذ عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.
على أي حال، تحكم طبيعة التنوع وفطرة التعدد تباين التسميات لاعتبارات كثيرة، منها الاختصار أو الاستغناء عن التفاصيل، عندما لا يكون المُعرّف بحاجة إلى التعريف. الأكثر اختصارا لدى الأمة الأمريكية ويشمل ذلك الوافدين والزوار، الإشارة إلى يوم الاستقلال الوطني بمجرد رقم. يتمنى الناس -في عصر السرعة- لبعضهم «رابعا» سعيدا (هابي فورث)، كناية عن الرابع من تموز الذي يصادف اليوم. ومن التعبيرات الجميلة اعتبار بلاد العم سام سيدة اسمها أمريكا فيقال بالتهنئة العامة والخاصة بين الناس «كل عام وانت بخير يا أميركا» أو «عيد ميلاد سعيد أميركا» وهو العيد الثامن والأربعون بعد المئوية الثانية (248) منذ تبني إعلان الاستقلال عن بريطانيا العظمى في الرابع من تموز عام 1776. وهذه الأخيرة -الميلاد- هي المفضلة لدي، ليس حصرا وإنما لكل أعياد الاستقلال أو قيام الدول في العالم ومن منظور إنساني ووطني واحد، وهو أن المعاني المجردة تصبح واقعا مُعاشا لا بد أن يواصل نموه حتى يبقى متجددا، ويترك أثرا طيبا في التاريخ، ليس فقط بين أصحاب العيد بل العالم بأسره وخاصة الأشقاء والجيران.
أعلم أن المشاعر والمواقف مختلفة إلى حد التضاد حول عدد من دول العالم سواء في الشرق الأوسط أو ساحات ساخنة أخرى، لكن العيد عيد، والاستقلال استقلال، أقله في أعين أصحابه. وعليه، وجب احترامه بعيدا عن أي تسييس، فالوطن غالي على الجميع، والدولة عزيزة في عيون أبنائها، والرايات كلها لدى العسكريين والمدنيين دونها الأعناق، ويبذل من أجلها الغالي والنفيس.
استوقفني في خبر احتفالات عيد الاستقلال هذا العام في السفارة الأمريكية في عمّان الحبيبة رسالتان: موقف ومشهد.. الاثنان وردا في أخبار السفارة على مواقع التواصل الاجتماعي. الأول تصريح (موقف) تضمن اعتزاز السيدة يائيل لمبرت السفيرة الأمريكية في عمّان حيث قالت في أول حفل عيد استقلال ترعاه كسفيرة أميركية في المملكة قالت ما نصه: إن أفضل وصف تعلمتُه عن الأردن يرد في كلمات المتنبي الذي قال: على قدر أهل العزم تأتي العزائم - وتأتي على قدر الكرام المكارم». أما المشهد الثاني وفيه موقف لافت أيضا، فتجلى في زيارة السفيرة لمبرت موقع معمودية السيد المسيح على الضفة الشرقية لنهر الأردن المقدس. زيارة بالصور والفيديوهات، تعني الكثير والجدير بالمتابعة والبناء عليه، على الأقل فيما يخص ملف السياحة الدينية ورسالة الأردن والهواشم فيما ميادين صنع السلام وحوار الأديان والحضارات.
شكرا للشراكة والصداقة بين الأردن وأميركا والتي تستحق المزيد من التقدير والترسيخ شعبيا، كما طرح في جلسة تبني لجنة التعيينات في مجلس الشيوخ الأمريكي تسمية الرئيس جوزيف آر بايدن، للسفيرة يائيل لمبرت.