اعتبرت رومانيا إحدى أفقر الدول الاوروبية. لكن تحولت شوارعها لمسرح كبير ضخم ضم 22 مليون مشاهد. أطلق الرومانيون على أنفسهم لقب « المصفقين»، كان هناك عرض واحد وقد يكون العرض الوحيد.
وكان هناك مشاهد واحد يستمتع بعرضهم .كان « تشاوشيسكو «، إنه المشاهد الوحيد. لقد مجدت العروض المسرحية « رومانيا»، وتحولت البلد إلى مسرح واكتسب كل مواطن دورا خاصا به، ولم يكن سوى نجم واحد هو تشاوشيسكو. يقول أحد الصحفيين الرومان: كان لكافة المقالات هدف محدد جدا . لقد استخدمنا تشاوشيسكو لإيصال رسائله الخاصة بنا. استخدمناه كجملٍ وحمّلناه أحلامنا وحقائبنا، لقد صرنا نسمى :
« جماعة المعجبين بتشاوشيسكو». الفنانون أبدعو في رسم لوحات تشاوشيسكو ، ونشأ نوع من المسرح السياسي يجمع الفنون والتظاهرات الشعبية. وأصبح الرومانيون بأكملهم « فنانون استعراضيون» يتناولون حالهم هم. يقول أحد الرومان: لقد شاركت بكافة الاستعراضات سواء في عيد ميلاده، أو عيد ميلاد زوجته، أو يوم الشبيبة، أو يوم العمال. لم يكن شهر يمر من دون « استعراض». كان لكل فرد في المدرج دور خاص يؤديه في المسرحية. كان تشاوشيسكو واللجنة المركزية للحزب المشاهدين الوحيدين. وفي نهاية الاستعراض كان الجميع يستديرون ويحيون تشاوشيسكو. وكان هو ولجنة الحزب يستديرون ليحيوا الناس. ويتحول المشاهدون إلى ممثلين والممثلون مشاهدين. يصبح الحزب والشعب وحدة كاملة. نفكر ونتنفس معاً. كانت ايلينا زوجة الرئيس تشاوشيسكو سعيدة ومستمتعة بدورها في المسرح الوطني الحي . كان من الضروري ربط اسمها بالتربية والثقافة والعلوم. استخدم الشعراء أقلامهم لتمجيدها كعالمة شهيرة أديبة مفكرة. المرأة التي أنجبتها رومانيا ولا مثيل لها في العالم. أعمال فنية، من صنف رخيص وإن كانت مثيرة عند عرضها على نطاق واسع. كانت الخطوات لها الدور الرئيس في الحركة على المسرح. لم يكن لديك أي خيار. كنت مجبراً على الإنشاد. وكان غير مسموح أن تلقي شيئاً غير المكتوب على الورق. لقد انتهى العرض. كان الاستعراض جاهزا. لكن الشعب الممثل خرج للشارع وأدى دوراً جديداً استثنائياً. هو في النهاية كان مجرد دور تمثيلي جديد. لكن على مسرح جديد ومع نجم جديد. ويتواصل الاستعراض.
نيكولاي تشاوتشيسكو هو أحد أبرز الطغاة في تاريخ أوروبا الحديث، تعتبر فترة حكمه نقطة سوداء في تاريخ رومانيا، أطلق على نفسه ألقاباً لا نهاية لها، بداية من القائد العظيم ، مروراً بدانوب الفكر العظيم، وليس انتهاء بالعبقري الذي يعرف كل شيء. تولى الحكم من عام 1974 وحتى 1989، « عاشت جمهورية رومانيا الاشتراكية حرة مستقلة، سوف ينتقم التاريخ لي». كانت هذه آخر كلمات تمتم بها تشاوشيسكو قبل موته .بعد هروبهما تمكن بعض المزارعين من التعرف على مكانهما وتسليمها للشرطة، وبعدها تم عقد محاكمة صورية لم تتجاوز الساعتين، وتم توجيه تهم عديدة إليهما، كانت أبرزها الإبادة الجماعية للثوار، وتدمير اقتصاد رومانيا، وعليه تم الحكم عليهما بالإعدام رمياً بالرصاص، وتم تنفيذ الحكم أمام عدسات التلفزيون، ثم دفنا بعدها في بوخارست.
في الأيام الأخيرة من عام 1989، علّق «نيقولاي تشاوشيسكو»، ديكتاتور رومانيا الملقّب بالملك الأحمر على سؤال صحفي عن التغييرات التي تجتاح دول أوروبا الشرقية بعد «البيروسترويكا» بجملة سيحفظها له التاريخ: «عندما تتدلى ثمار الكمثرى على أشجار الحور، يمكن أن يحدث التغيير في رومانيا». أدلى الرجل بتلك الرسالة المليئة بالثقة، خلال زيارة قام بها إلى إيران في 18من ديسمبر قبل مقتله بأسبوع واحد.
عندما عاد تشاوشيسكو إلى رومانيا يوم 20 من ديسمبر، وجد أن طلاباً من كلية المسرح والسينما في جامعة بوخارست قد جمعوا ما استطاعوا من ثمار الكمثرى « الأجاص»، وعلّقوها على « أشجار الحور» التي تصطف على جانبي واحد من أهم شوارع العاصمة. تلك كانت رسالة الردّ. رسالة ذات دلالة غير مسبوقة خلال حكمه الذي استمر 24 عاماً. وانتهى حكم الطاغية وانتهت الاستعراضات وأسدلت ستائر المسرح.