في 20 مارس 2003 بدأ "العبث" الأمريكي في الشرق الأوسط بالثأر من تنظيم "القاعدة" على هجمات 11 سبتمبر بغزو العراق الذي لا علاقة له بالأمر واحتلاله ثم تركه مصابا بالشلل.
في خضم هيجان الإدارة الأمريكية برئاسة جورج بوش الابن بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، أعدت واشنطن العدة وقررت بعد غزو أفغانستان واحتلاله في عام 2001، الانتقام من العراق ونفذت عملية الغزو واحتلت البلد بشكل مباشر لنحو 9 سنوات من دون موافقة مجلس الأمن، بل وبمعارضة بعض أقرب حلفائها مثل فرنسا وألمانيا.
قوات الغزو بعد معارك ضارية احتلت تكريت مسقط رأس صدام حسين في 15 أبريل. أطيح بنظام صدام حسين، وجرى تعقبه واعتقاله ثم شنقه ببغداد في ديسمبر عام 2006.
لاحقا تورطت الولايات المتحدة وتحدت إدارة أخرى في ليبيا، وأطاحت بنظام العقيد معمر القذافي في ليبيا، وأسقطت هذا البلد أيضا في هوة الفشل والشلل. واشنطن لم تطح بصدام حسين والقذافي فقط، بل عمليا هي أطاحت بالعراق وبليبيا.
في الوقت الذي ترفض فيه الولايات المتحدة الأمريكية التصعيد العسكري للصراع في غزة، فإن مواقفها وسياساتها سمحت لإسرائيل باستخدام المزيد من القوة العسكرية في غزة، لا سيما من خلال عرقلة التوصل إلى قرار لوقف إطلاق النار في مجلس الأمن، حيث إستخدمت واشنطن حق النقض، وذلك إلى جانب إرسال سفينة القيادة والسيطرة التابعة للأسطول السادس الأمريكي "ماونت ويتني"، لكي تنضم إلى حاملتي الطائرات اللتين تم إرسالهما في وقت سابق إلى المنطقة، وهما: حاملة الطائرات "يو إس إس إيزنهاور" ومجموعة السفن الحربية التابعة لها، والحاملة "جيرالد فورد"، علاوة على إرسال أنظمة دفاع صاروخية مثل نظام "ثاد" ، وبطاريات "باتريوت"، إلى جانب مجموعة برمائية جاهزة، وهي سفينة "يو إس إس باتان" الهجومية، وقوة الرد السريع البحرية، ووحدة الاستطلاع البحرية السادسة والعشرين (MEU)، وذلك كله فضلًا عما أثير بشأن قيام الولايات المتحدة بنشر قوات خاصة أمريكية في إسرائيل، حيث نُشرت صور للرئيس الأمريكي "جو بايدن"، وهو يصافح أعضاء المجموعة القتالية (CAG)، والمعروفة أيضًا باسم "قوة دلتا".
كذلك تسعى الإدارة الأمريكية لدعم إسرائيل بمبلغ 14.3 مليار دولار إضافية، وذلك علاوة على المساعدات السنوية التي تمنحها لإسرائيل، والتي تبلغ قيمتها 3.8 مليارات دولار. كما تعددت الزيارات الأمريكية من جانب وزير الخارجية وكذلك وزير الدفاع الأمريكي إلى إسرائيل، مع قيام الأخير بزيارة قاعدة نيفاتيم الجوية في إسرائيل لمباشرة قيام طائرات أمريكية من طراز "سي-17" بمهامها لتقديم الدعم الأمني للقوات الإسرائيلية. ومن ناحية أخرى، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية فرض عقوبات على أشخاص قالت إنهم أعضاء في حركة حماس، وتتضمن قائمة المشمولين بالعقوبات مسؤولين عن الأنشطة المالية والاستثمارية بالحركة في فلسطين وتركيا والجزائر والسودان وقطر.
كل هذه الخطوات عُدّت بمثابة ضوء أخضر من جانب الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل لمواصلة قصفها لغزة بعض النظر عن ارتفاع أعداد الضحايا في صفوف المدنيين الفلسطينيين. وفي ضوء ذلك، تثار التساؤلات بشأن أسباب ودوافع تبني الولايات المتحدة الأمريكية لهذا النهج الداعم لإسرائيل بشكل مطلق، وما ستؤول إليه نتائج هذا النهج.
إن الحرب في غزة وإتخاذ واشنطن موقفًا داعمًا لإسرائيل بشكل مطلق قد تسبب في زيادة حدة الإستقطاب داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وشكك في صورة ومكانة الولايات المتحدة على الصعيد الدولي بإعتبارها الراعي الأكبر لحقوق الإنسان في العالم الديمقراطي، خاصة مع رفض "بايدن" دعم وقف إطلاق النار حتى تقوم حماس بإطلاق سراح الرهائن؛ سعيًا منه للظهور كزعيم قوي قبل الإنتخابات الرئاسية الأمريكية، وذلك إلى جانب مساعي واشنطن لمواءمة الأهداف الدبلوماسية الأمريكية (المتمثلة في تطبيق حل الدولتين، وسيطرة سلطة فلسطينية قوية على قطاع غزة) مع الأهداف الإسرائيلية الرامية للسيطرة الأمنية على قطاع غزة، الأمر الذي يقوِّض جهود حل الدولتين، ويسهم في إستمرار الصراع وتفاقمه، ومن ثمّ فإن نهج الإدارة الأمريكية المنحاز للجانب الإسرائيلي يمكن أن يجر الولايات المتحدة بسهولة إلى حرب إقليمية أوسع نطاقًا، بما يهدد بتقويض المصالح الوطنية للولايات المتحدة، وكذلك الإستقرار الإقليمي والعالمي.
الدكتور هيثم عبدالكريم احمد الربابعة
أستاذ اللسانيات الحديثة المقارنة والتخطيط اللغوي