تقر الحكومة بارتكابها خطأ فيما يتعلق بنشر اتفاقية لائحة الأجور بالجريدة الرسمية، بصيغة لم يتم الاتفاق عليها مع نقابة الأطباء، بحسب مصدر في رئاسة الوزراء، الذي قال إنه تم إدراك هذا الخطأ مسبقا، ولكن لم يكن أمام رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة سوى خيارين اثنين للتعامل مع هذا الخطأ، ومعالجته.
الخيار الأول يتمثل في استمرار العمل بالاتفاقية كونها أصبحت نافذة بعد نشرها في الجريدة الرسمية، وبالتالي ستكون الحكومة قامت بالتضحية بمصلحة المواطن من أجل إخفاء خطأ ارتكبته، أو ما تقول عنه "سهوا"، وتكون حينها أقرت بالأرقام الموجودة بالاتفاقية رغم رفضها المسبق لها، وبالتالي تحافظ على سمعتها على حساب تضرر المواطن ومصالحه.
أما الخيار الثاني، فكان الإقرار بهذا الخطأ ومعالجته عبر قرار وزير الصحة المتمثل بإلغاء العمل بالاتفاقية لحين تصويب نقابة الأطباء الأوضاع.
رئيس الوزراء، بحسب ما أكده لي المصدر، فضل الاعتراف بالخطأ بدلا من إلحاق الضرر بالناس، حيث طلب من وزير الصحة إعلان إلغاء العمل بالاتفاقية، وهو كما يقول من صلب صلاحيات الوزير.
نقيب الأطباء كان قد أكد في تصريح صحفي بأنه ليس لوزير الصحة صلاحية إلغاء الاتفاقية، وهذا صحيح، بيد أن ما قام به الوزير هو إلغاء العمل بالاتفاقية وليس إلغاءها كليا، وهو أقرب إلى قرار "تجميد"، بحيث يدخل الطرفان في النقاشات من جديد، وصولا إلى العودة للصيغة المتفق عليها مسبقا.
في كواليس المناقشات الداخلية في الحكومة، فإن معالجة هذه الأزمة وحلها، يكمن في إما أن تلجأ نقابة الأطباء إلى القضاء عبر المحكمة الإدارية، أو الرجوع إلى الاتفاقية التي تم التوافق عليها وكان يجب أن تنشر في الجريدة الرسمية، وليس تلك التي نشرت بالفعل، ولا خيار ثالثا أمام الحكومة ونقابة الأطباء، لأن عكس ذلك يكون خيارا غير عادل للمواطن والأطباء والشركاء الآخرين، وفق اعتبارات الحكومة ورأيها.
وللإنصاف، وبعد استفسار مباشر حول ما يتناوله البعض من تحميل جزء من المسؤولية للموظفين العاملين في ديوان التشريع الذين يقومون بالنشر بالجريدة الرسمية، فقد اتضح أنهم براء من هذا الخطأ، لأن طبيعة عملهم فنية تقتصر على نشر الاتفاقيات والقوانين وما شابه ذلك، وليس مراجعتها وتدقيقها، فهم لا يمتلكون الخبرة التي تؤهلهم لذلك، حيث إن الخطأ تتحمل مسؤوليته بشكل كامل وزارة الصحة ووزيرها وموظفوها الذين قاموا بإرسال الاتفاقية دون تدقيقها.
في المحصلة، تعترف الحكومة صراحة بالخطأ الذي ارتكبته، وفق ما أكدته لي، وبانتظار تسوية الوضع الذي حدث، فإن الأمر يجب ألا يمر مرور الكرام، ومحاسبة الوزير نفسه باعتباره الموظف الأعلى في الوزارة، ومن ثم إجراء تحقيق للوقوف على حقيقة ما جرى، واتخاذ الإجراء اللازم بحق كل من كان له دور في هذه المسألة، ثم إطلاع الناس على نتائج التحقيق، إذا ما أرادت الحكومة أن تتحلى بالشفافية التامة، وأن تملك الجرأة وتنشر الحقيقة كاملة على الملأ.
الخطأ ليس بسيطا، كما قلنا أمس، فما نتحدث عنه هنا هو الجريدة الرسمية، وهي المرجع الأهم لجميع قرارات وأنظمة وقوانين الدولة الأردنية، وتجاوز الأزمة بلا نتائج رادعة كارثة تفوق ما جرى.