ظهر وزير المالية أمية طوقان في التلفزيون الأردني يوم الجمعة بصمته وببساطته الوظيفية دون أن يأتي بجديد عن واقع الموازنة العامة ، وعجز الموازنة والتوجهات الجديدة القادمة المتعلقة بالمالية العامة .
الوزير لم يكن موفقاً في طرح أفكاره القديمة المحدثة بالنسبة لنا كاقتصاديين ، فالسياسة النقدية التي تتعامل مع البنوك والمتخمة أصلاً بالودائع والنقود السائلة والتي كان يرأسها طوقان في السابق ، تختلف في إدارتها عن السياسة المالية وأدواتها التي تتعامل مع أفقر وأكثر الطبقات حرماناً في الاقتصاد الأردني .
الوزير بين أن هناك نية مبيتة لدى الحكومة لفرض المزيد من الضرائب " إن اقتضى الحال " وهذا بحد ذاته تعميق وامتداد لأسلوب الجباية الذي تنتهجه الحكومات الأردنية منذ الأزل ، واعتبار أن جيب المواطن الأداة الأكثر فعالية ، والأقل مخاطرة لسداد أوجه الفساد المالي الذي سببته الإدارة الاقتصادية في الأردن وعلى رأسها وزراء المالية والصناعة والتخطيط .
فرض ضرائب جديدة على السكان لن يرفع معدل النمو الاقتصادي إلى المستوى المرغوب كما يطمح الوزير ، وذلك لان مصدر النمو الاقتصادي في الأردن هو الطلب الكلي ، وأي تأثير لاحق على دخول المواطنين والموظفين سوف يزيد من الإيرادات الحكومية من جهة ، ولكنه لن يكون الأداة الفعالة لزيادة معدل النمو الاقتصادي عندما يتسبب في انخفاض حجم الطلب على السلع والخدمات وإضعاف القوة الشرائية بمعدل أكبر من معدل نمو الإيرادات .
الوزير طوقان وكأنه من فسر الماء بعد الجهد بالماء ، فقد اكتفى الإشارة إلى أن زيادة الإيرادات الحكومية سبباً لزيادة معدل النمو الاقتصادي على غرار التجربة السابقة في هذا المكان ، دون أن يشير إلى أن زيادة معدل دخل السكان سبب رئيسي لزيادة معدل النمو الاقتصادي .
فمعدل الادخار القومي في السنوات السابقة كان أعلى بكثير من المعدل الحالي ، وقدرة الفرد على تحمل الزيادة في معدلات الضرائب والقدرة على امتصاص الارتفاعات والتغيرات في الأسعار أعلى مما هو عليه الآن ، كما أن المعدل العام للأسعار (التضخم) كان أقل مما هو عليه الآن ، لذلك اعتقد بأن سبب الانكماش الاقتصادي في الأردن هو نقدي بحت .
الوزير لم يخفي أن تسعيرة المشتقات النفطية الحالية سوف تكون محض للتعديل والتغيير في الفترة القادمة وخاصة في موازنة عام 2012 ، وهو ما يعني وفقاً للوزير أن آلية الدعم التي تدعيها الحكومة سوف تختفي في المدى القصير ، وهنا أرغب بسؤال معالي الوزير من قال له بأن السعر الحالي للمشتقات النفطية مدعوم من الحكومة ، وأنه يجب أن يكون سعر المشتقات النفطية أقل مما هو عليه الآن ، بل على العكس فإن الحكومة تحققاً أرباحاً صافية من فروقات شراء النقط الخام وبيعه على شكل مشتقات نفطية للمواطنين .
قالوا أن معالي وزير المالية السابق محمد أبو حمور هو سبب في تعطيل الكثير من المشاريع الاقتصادية بسبب تحفظه على مستحقات المقاولين ، ولكن قرار الحكومة الحالية الذي اتخذته وعلى وجه السرعة ، والمتمثل بعدم طرح أي عطاء وربطه بموافقة رئيس الحكومة مباشرة ، فماذا يعني ذلك وما هي الآثار السلبية التي يتركها ذلك على معدل النمو الاقتصادي الذي يدعيه ويطمح لتحقيقه الوزير طوقان .
الأردن في ظل هذه الظروف ، يعيش أزمة حقيقية في الإدارة الاقتصادية فما زلنا نعتقد أن تغيير الوجوه كفيل بتغيير الواقع الحالي دون وجود إرادة حقيقية لدى المسئولين بالتغيير ، وهنا لا يد من الإشارة إلى حاجة وزارة المالية بتغيير إداراتها بدءاً من دائرة الموازنة العامة الذراع الأخطر للمالية العامة ، والمدير الأضعف لها وباعتبارها من ترسم السياسة المالية في كل سنة ، ودائرة الجمارك ، وضريبة المبيعات ، والمناطق الحرة التي لم نعد نسمع بأي إنجاز لها سوى قرارات إدارية لا تسمن ولا تغني من جوع .