في سياق تصاعد التوترات الدولية، أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن إجراء مناورات مكثفة باستخدام صواريخ "يارس" البالستية العابرة للقارات ، و تأتي هذه المناورات، التي أُجريت في 18 يوليو/ تموز 2024، لتؤكد استمرار روسيا في تحديث وتعزيز قوتها العسكرية الاستراتيجية ، وفي بيان وزارة الدفاع الروسية أوضح أن هذه المناورات كانت جزءاً من التدريبات المخطط لها مسبقاً، وأنها تضمنت استخدام قاذفات الصواريخ الأرضية المتنقلة من طراز "يارس" ، وجدير بالذكر أن هذا التوقيت لم يكن مفاجئاً، إذ أن المناورات السابقة التي أُجريت في 5 يوليو/ تموز 2024 تعكس نمطاً متزايداً من النشاط العسكري في هذا المجال ، و تنفذ هذه المناورات تحت إشراف دقيق من قبل القوات الروسية، وتستهدف تقييم فعالية الصواريخ في ظل ظروف مختلفة وتعزيز جاهزيتها في مواجهة التهديدات المحتملة ، و
تُعد صواريخ "يارس" من أحدث وأهم الأنظمة الصاروخية الروسية، وهي تتسم بخصائص تقنية متقدمة تجعلها فاعلة في سياق الاستراتيجيات الدفاعية والردعية ،و تتميز هذه الصواريخ بالآتي:
المدى الكبير : حيث تمتاز صواريخ "يارس" بمدى يصل إلى حوالي 12 ألف كيلومتر، ما يتيح لها القدرة على الوصول إلى أهداف على بعد آلاف الكيلومترات من موقع الإطلاق ، و هذا المدى الواسع يعزز من قدرة روسيا على تنفيذ استراتيجيات الردع بعيد المدى ويجعلها قادرة على تغطية معظم الأهداف الاستراتيجية المحتملة ، إضافة لذلك القدرة على حمل عدة رؤوس حربية : وتتميز صواريخ "يارس" بقدرتها على حمل عدة رؤوس حربية وتوجيهها نحو 3 إلى 6 أهداف مختلفة في وقت واحد ، و هذه الخاصية تجعل من الصواريخ أداة ردع فعالة جداً، حيث تعزز من قدرتها على اختراق الدفاعات وتوجيه ضربة متعددة الأهداف في آن واحد ، فضلاً عن صعوبة الكشف : فصواريخ "يارس" تمتاز بقدرتها على تنفيذ هجمات دون الكشف عنها بسهولة، بفضل تقنيات التمويه والتوجيه المتقدمة ، وهذا يجعلها أكثر فعالية في التسلل عبر الأنظمة الدفاعية للخصم ويزيد من احتمالية تحقيق أهدافها بنجاح ، أما عن
التحديات الأمنية والتكتيكية الذي تحدثه للأنظمة الدفاعية، فتمثل صواريخ "يارس" تحدياً كبيراً للأنظمة الدفاعية الحديثة، نظراً لقدرتها على الإخفاء والاختراق ، ولعل صعوبة اكتشاف الصواريخ قبل إطلاقها يعزز من فعاليتها كأداة للردع الاستراتيجي، مما يفرض على الدول الأخرى تحديث أنظمتها الدفاعية لمواجهة هذه التهديدات الجديدة ،علاوة على ذلك، فإن القدرة على حمل عدة رؤوس حربية وتوجيهها إلى أهداف متعددة تعقد من عملية الدفاع والهجوم المضاد، مما يجعل من الصعب على الأنظمة الدفاعية تصدي الهجمات بكفاءة ،وإذا توقفنا عند التحليل الجيوسياسي ، نجد أن هذه المناورات تأتي في وقت يشهد توترات متزايدة على الصعيدين الإقليمي والدولي ، لهذا فإن التركيز الروسي على تعزيز قدراتها النووية يعكس القلق من التهديدات المحتملة، ويشير إلى استمرار سباق التسلح العالمي ، ولا يخفى على أحد أن روسيا تسعى من خلال هذه الأنشطة إلى تعزيز موقفها الاستراتيجي والحفاظ على توازن القوى مع الدول الكبرى الأخرى، وخاصة في ظل تصاعد التهديدات العسكرية والسياسية ، و
كما أن هذه المناورات تشكل رسالة واضحة للدول الأخرى حول جاهزية روسيا وقدرتها على حماية مصالحها الاستراتيجية ، ويمكن أن يكون لهذا التوجه تأثيرات بعيدة المدى على الأمن الإقليمي والدولي، وقد يؤدي إلى ردود فعل متبادلة من الدول الأخرى التي قد تسعى لتعزيز قدراتها الدفاعية بدورها ، وفي الختام نقول : إن مناورات روسيا الأخيرة بصواريخ "يارس" تعكس استراتيجية موسكو في تعزيز قدرتها العسكرية والردعية ، من خلال التركيز على تحديث قدراتها في مجال الصواريخ البالستية العابرة للقارات، و تؤكد روسيا التزامها بالحفاظ على موقف قوي في الساحة الدولية ، وهذه الأنشطة العسكرية ليست مجرد تدريبات، بل هي جزء من استراتيجيات أوسع تهدف إلى تحقيق توازن القوى وضمان قدرة روسيا على الرد على التهديدات المحتملة بكفاءة عالية ... !! خادم الإنسانية .
مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .