عند الأزمات الكبرى التي تواجه أي بلد، تتوجه النقاشات العامة إلى العناوين الصحيحة، ويجري تأجيل أو جدولة القضايا الإشكالية، وتحاول السياسة، أن تتوصل الى حلول سريعة للأزمة، ثم تصنع في المجتمع حالة من ( التوحد) لمواجهة الأخطار الكبرى، لتفرز منه أفضل ما لديه من عناصر القوة والتماسك والثقة.
لكن ما يحدث في بلدنا، أحيانا، يأتي في اتجاه آخر، لا أريد ان أدخل بالتفاصيل، الجميع يعرفها، لدي سؤال واحد فقط، هل يحتاج مجتمعنا الى منطق التأزيم؟ هذا السؤال يلحّ عليّ كثيرا وأحاول -جاهدا - ان أجيب عليه، ومع ان الإجابة السريعة بسيطة ومعروفة، وهي قطعا: لا، إلا أن ما يتفرع عنها من أسئلة وما يتوالد منها من مفاجآت تعيدني مرة أخرى الى دائرة «الاستفهام» وأحيانا الدهشة والاستغراب.
اعتدنا في مجتمعنا على التعامل دائما مع الأزمات التي تواجهنا بمنهج الاستيعاب والإطفاء السريع، وأحيانا بمنهج الاستباق والوقاية، وخرجنا، غالبا، منها بأقل ما يمكن من خسائر، ولأننا كنا ندرك باستمرار ان «اضطراراتنا» أكثر من خياراتنا، وبأن مواردنا أقل من طموحاتنا، وبأن «الإنسان» الأردني هو «رأسمالنا» الوطني، فإننا نجحنا في خلق حالات نادرة من التكافل والتحمل والصبر والتعايش مع الواقع، وخذلنا رهانات الكثير من الذين دخلوا على خط مشكلاتنا، وانتصرنا -دائما - لمبدأ «أمننا» الاجتماعي الذي كان أساسا لأمننا السياسي، ومانعاً لكل الصواعق الاقتصادية التي تعرض لها مجتمعنا.. ولا يزال.
لماذا يدفع البعض نحو طيّ هذه الصفحة، إذن، ويتجاهل امتحانها الذي اجتزناه بنجاح؟ لماذا نخطئ في تقدير «الحسابات» البديلة وتكاليفها الباهظة؟ لماذا تحولنا من منهج «الاستيعاب» والتفاهم وإبداع الحلول «التوافقية» الى منهج التأزيم وممارسة القسوة وإدارة الظهر لكل ما يصدر من «ذبذبات» ورسائل؟ لماذا عجزنا عن «إدارة» أزماتنا بمنطق الذي يريد الحل ويهرب من «ضربات الشمس» لا بمنطق الذي يصرّ على «الخطأ» ويتعمد الاستفزاز ويلجأ أحيانا الى «العمليات» الجراحية الخطرة رغم معرفته بأن «المسألة» لا تحتاج إلا لقليل من الدواء؟
يا سادة : لا إصلاح ولا مبادرات ولا حلول مع الشعور «بالعجز» والارتباك، لا أمل بالخروج من معادلة «الحيرة» والشك إلا بإبداع معادلة جديدة تقوم على الجرأة واليقين، نحن، للأسف، المجتمع والنخب والإدارات، كبار الموظفين وصغارهم ومعهم المواطن البسيط، مدعوون لإعادة تعريف أدوارنا، ثم واجباتنا ومسؤولياتنا وعلاقتنا مع بعضنا ومع البلد، الموظف –مهما علا منصبه- خادم، مجرد خادم للناس، لا قيمة له إلا بمقدار ما يخدم الناس، وعندها لا حق له في المطالبة بامتيازات ترفع درجة «وجاهته» إلا بما يساعده على تقديم أفضل خدمة للناس، المواطن –أيضا- «فاعل» أساس في تعمير البلد وإصلاحه، لا يجوز أن يشعر بالكسل والعجز وأن يرضى «بالنصيب» وبالوصايات والأوامر، لا يجوز أن «يتواطأ» بالصمت أو «بعدم التدخل» في قضايا تؤسس لتقدم البلد أو تدفع لتدهوره..
هل وصلت الرسالة؟ قولوا آمين.