إذا انتخبت كاملا هاريس رئيسة للولايات المتحدة الأمريكية في تشرين الثاني المقبل فهي بذلك ستختصر «الحلم الأميركي» للمهاجرين بأبهى صورته، فوالدها جامايكي، ووالدتها هندية كانت تصر عليها أن تكون الأولى في القيام بالكثير من الأمور. وربما أنها عنت البيت الأبيض لسيدة سمراء.
أمل بعض الحالمين أن يتحقق ذلك الحلم قبل ثماني سنوات وتكون هيلاري كلينتون أول رئيسة للولايات المتحدة وهو ما ينسجم مع تطلعات دولة نشأت من كل الأجناس، وسعت إلى التميز الدائم. فقد عايشت عنصرية ضد السود واضطهدتهم وأقصتهم وكابدت هضم حقوق المرأة، ثم نجحت في ترئيس باراك أوباما ذي الأصول الأفريقية، وعجزت عن إيصال كلينتون كأول إمراة تنال المنصب.
واليوم يبدو أن الحلم الأمريكي سينكسر أيضاً مع هاريس، فهي تواجه قطارا بخاريا منطلقا بقوة لا تجابه نحو البيت الأبيض ليكون رئيسا للمرة الثانية بعد بفاصل زمني مقداره جو بايدن المتنحي عن متابعة السباق بعد تلعثمه في مناظرة، مع أن زعماء كثرا تلعثموا ودمروا حاضر ومستقبل بلدانهم دون أن يرف لهم جفن، لا أن يفكروا بالتنحي.
ترتعشُ فرائصُ الكثيرين في هذا العالم من وصول ترمب إلى الرئاسة من جديد حاملاً معه همجيته وتطرفه وعشوائيته. فالناس يرون أن الانتخابات الأمريكية تمثل شأناً يعني كوكب الأرض، بكامل استدارته، لا شأناً داخلياً أمريكياً، ليس لأن النمط الأمريكي يغلف العالم.
ولأن حساب السرايا لا يتفق مع حسابات القرايا، فإن ترمب لم يعد ظاهرة فردية بل صار في أرض الأحلام نموذجا «لترمبية» لها أصولها. ولربما أن الجذور العميقة لأمريكا تنسجم مع هذا المنحنى، فنحن نرى شخصاً مارقاً يهيمن على حزب، ويفرض أجندته عليه، ونراه ملهماً لذكاء الكثيرين وطموحهم، وسيؤكد لنا وصوله الثاني إلى البيت الأبيض سطحية وسخف ناخبين ومحبتهم للإثارة و(الشو) و(الأكشن) وعشقهم الدفين للتطرف.
مؤهلات كثيرة وصفات عديدة تجعل من كاملا هاريس رئيسة موفقة. فلديها سيرة مهنية وشخصية شقت الصخر. ولديها اسم هندي يعني زهرة اللوتس، التي يعرف الجميع أنها قادرة على تنظيف نفسها من الغبار والطين لتبقى براقة لامعة. لكن كل ذلك لن يشفع لها أمام ذلك القطار مشروم الأذن المنطلق بجنون.
يعرف لاعبو ورق الشدة (الكوتشينة) الجوكر، ويعرفون قوته في لعبتهم، وقدرته على الجوكرة وقلب الموازين في اللحظات الحرجة الأخيرة، ولأن معنى اسم ترمب هو الجوكر أو الورقة الرابحة في المحكية الأمريكية؛ فنتوقع أن يجوكر الحلم المقصي للمرة الثانية، ويمنع وصول سيدة لأول منصب عالمي.