هناك قصة من طرائف الجاهلية تقول : تزوج الأخطب بن عوف من فتاة تدعى فتنة، من قبيلة الأرمكي ، ظناً منه أنها شديدة الجمال لذلك أسموها فتنة ، ولما جاء لكي يدخل بها ساءه قُبحها وذمامتها ، فانتظرها حتى نامت ، وحَزّم أمتعته وهمّ بالمغادرة .. وقبل مغادرته أدركته أمه ، فقالت له : إلى أين يا ولدي أنت ذاهب في ليلتك الأولى من الزواج ؟ فقال لها : إني مغادر إلى أرض الكوفة .. فقالت له : وماذا عن فتنة ؟ فقال : إن الفتنة نائمة ، لعن الله من أيقظها ... وما زال هذا القول مثل دارج لأيامنا هذه ...
هكذا هي الأمثال والأقوال ، فلكل مثل وقول تجد له قصة وحكاية ... وبالفعل تجد أن هناك أمثال وأقوال تتطابق مع طبيعة الحدث والأشخاص والمشاهد والواقع بحد ذاته (فعلاً بكون بمحله) وبتحلف يمين إنه هذا المثل والقول ما قيل عبثاً ...
أبو فلاح ابن قريتنا قرر البارحة قراراً نهائياً اعتزال الناس فترة ما قبل الانتخابات ، وقال : بعد أن أقسم بالله ..ورمى يمبن الطلاق على أم فلاح بعدم الخروج من البيت إلا للذهاب للمسجد أو للضرورة القصوى وعدم الخوض والكلام بسوالف الانتخابات بشكل نهائي ، وقام بالتنبيه على أهل بيته بعدم فتح سيرة الانتخاب والترشح بتاتاً ... ولما سألوه عن السبب ، أجاب : كله من وراء جارنا مطلق ، لأنه ما في على لسان مطلق غير حكي الانتخابات والترشح (فلان قوي وفلان ضعيف ، وفلان نازل حشوه ، ومن متى فلان صاير يترشح ، وفلان نزّلوه قرايبه وما رح يصوتوا له، وفلان مش ملاقي قائمة ينظم لها ، وفلان حطّوه بوز مدفع مشان يخسر علان ...الخ ) ... وكما يقول أبو فلاح عن جاره مطلق :بأنه متقلب في رأيه ، وكل يوم شكل ، فقبل يومين كان ينتقد بالمرشح الفلاني ويقول عنه حشوه ، ولما لقاه بالمسجد : هلا بالشيخ ، هلا بالنائب المنتظر ، أنت أقوى مرشح بالمنطقة خليك ثابت ، يا جبل ما يهزك ريح ... ولما راجعته بهذا الحكي ، قال : يا زلمه خليه ينزل ويرسب ، خلينا نتفرج ... فقلت لمطلق : فعلاً إنك بتفوت مع الحرامي ، وبتطلع مع صاحب الدار ...
وأم الأخطب زعلت لما أبناها الأخطب هج على الكوفة وترك الفتنة نائمة ، وأبو فلاح بفهم لما قعد بداره لأنه عارف ما رح يخلص من الحكي شو ما عمل ... فصدق الأديب الروسي مكسيم غوركي عندما قال : الورقة التي تسقط في فصل الخريف ، خائنة في عيون أخواتها ، وفيّة في عين الشجرة ، ومتمردة في عيون الفصول ...