لقد أصبحت التجارة الإلكترونية اليوم جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، غير أن العديد من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تفتقر إلى الضوابط اللازمة، ما أدى إلى تحويل هذا السوق الواعد إلى بيئة تحتاج إلى تنظيم أكبر.
العديد من البائعين ينشئون صفحات ووضع منتجات بجودة مشكوك فيها، ما يؤدي إلى شراء المستهلكين لبضائع غير مطابقة للصور والفيديوهات المعروضة، مذكرين بمقولة "تشتري سمكاً بالمي".
إحدى المشكلات الأساسية في هذا السياق هي أن هذه الصفحات في كثير من الأحيان لا تملك تصاريح أو تراخيص رسمية، ولا عنوان معروف يمكن الرجوع إليه في حالة حدوث أي خلل، مما يخلق بيئة من عدم الشفافية، ويزيد من مخاطر الاحتيال، حيث يعتمد معظم هؤلاء البائعين على وسطاء لتوصيل السلع، مما يزيد من صعوبة تتبع المصدر الحقيقي للمنتجات ومعرفة المسؤولية عند وجود مشكلة.
لا يمكننا إنكار الجهود الحكومية في محاولة ضبط هذا السوق المتفلت، فقد سجلت وزارة الصناعة والتجارة زيادة في عدد شكاوى البيع الإلكتروني بنسبة 2% خلال النصف الأول من العام الحالي، لتصل إلى 103 شكاوى مقارنة بـ70 شكوى في نفس الفترة من العام الماضي.
ونجحت الوزارة في معالجة وإغلاق 85% من إجمالي الشكاوى الواردة، مما يظهر جديتها في التعامل مع هذه المشكلات.
رغم هذا، تبقى نسبة الإخطارات والمخالفات المحررة ضعيفة للغاية، حيث لم تتجاوز 0.05% و0.02% على التوالي من إجمالي الشكاوى، وهذا يعكس تحديات كبيرة تواجهها الوزارة في فرض رقابة صارمة على هذا القطاع الحيوي. وزير الصناعة يوسف الشمالي، يشدد دائما على ضرورة تكثيف الجهود وزيادة الحملات التوعوية حول حقوق المستهلك، وأهمية التعامل مع المواقع الموثوقة والمسجلة.
ويظل التحدي الأكبر هو كيفية تعزيز الثقة بهذا السوق وضمان حقوق المستهلك، ومن هنا تأتي أهمية دور الحكومة في فرض تراخيص إلزامية لكل من يمارس التجارة الإلكترونية، وإنشاء آليات رقابية فعالة لضمان التزام التجار بالمعايير والضوابط القانونية، كما أن تعزيز التعاون بين الجهات المعنية يعتبر خطوة ضرورية لتحقيق رؤية التحديث الاقتصادي والنمو المستدام في قطاع التجارة الإلكترونية.
ورغم أن الحكومة قد بدأت باتخاذ بعض الخطوات الإيجابية، فإن التحديات لا تزال كبيرة، فحماية المستهلك يجب أن تكون من الأولويات القصوى، وهذا يتطلب إجراءات صارمة تبدأ من الرقابة الفعالة وحتى التشريعات القانونية المناسبة، وتعزيز التوعية والتثقيف لدى المستهلكين والمزودين على حد، سواء يمكن أن يسهم بشكل كبير في تنظيم هذا السوق وضمان حقوق جميع الأطراف.
وفي الختام، يجب أن نقر بأن التجارة الإلكترونية ليست مجرد وسيلة لبيع المنتجات، بل هي جزء أساسي من الاقتصاد الرقمي الذي يتطلب إدارة حكيمة ورقابة صارمة.
الحكومة قد اتخذت خطوات جدية، ولكن يجب أن تتضافر الجهود بشكل أكبر لتحقيق بيئة تجارية إلكترونية آمنة وموثوقة، وإذا استمرت الحكومة في تعزيز الرقابة وتطبيق القوانين بشكل عادل وفعال، يمكن أن نأمل في مستقبل أكثر تنظيمًا وشفافية لهذا القطاع الحيوي.