د. حازم قشوع - اذا نجحت آلة الحرب الإسرائيلية بفرض الحلول العسكرية في غزة، فإنها ستذهب تجاه تطبيقها في القدس والضفة كما في الجنوب اللبناني، وستقوم ايضا بفرضها على سيناء حتى غرب الفرات السوري بدعوى للمحافظة على مجالها الحيوي واجواءها الآمنة، وتصبح بذلك تل أبيب في المحصلة الكعب الأعلى في المنطقة، وهو الاستهداف الذي تصبو لتحقيقه بدعاوى شتى بواقع استخدام الة الحرب العسكرية بدلا من ان تستخدم تل ابيب المسارات التفاوضية والحلول السياسية لضمان أمنها والأطر القانونية لإحقاق علاقات طبيعية مع جيرانها تقوم بفرض أجندتها بالطريقة التي تريدها والوسيلة التى ترغب بفرضها، هذا ما تشير إليه سياقات الأحداث وليس فقط الرؤيا القائمة على الفرضيات، وهو ما تبينه حادثة مجدل شمس التي لم تنطلق الدفاعات الاسرائيلية لردعها بهدف إشعال فتنة حرب أهلية (درزيه شيعية) فى الداخل اللبناني، وهذا ما بينه وليد جنبلاط للمبعوث الامريكي هيلكسان، لكنها محاوله إسرائيليه لتحويل الانظار عن غزه و اختلاق ذرائع لإشعال حرب في الجنوب اللبناني والمنطقة لفرض حلول عسكرية.
وهو ما سيجعلها قادرة على رسم حدودها ومجالات نفوذها مع انظمة المنطقة تماما كما فعلت ايران عندما ذهبت باسقاط اجندتها على المنطقه واخذت تقوم بفرض نفوذها فى المجالات الحيوية التى استهدفتها فى اليمن كما فى لبنان وسوريا والعراق، وهذا ما يعني بالمحصلة ان حاله اقتسام لمجالات من النفوذ تقوم عليها إسرائيل وإيران فى المنطقة بإسناد من روسيا للمحور الإيراني وبدعم من أمريكا للمركز الإسرائيلي، وهو معطى أجده أصبح معلوم عند الكثير من المراقبين والمتابعين على حد سواء.
لكن المستجد والمتوقع أن يدخل تحول منهجي على هذه المعطيات تتحول عبرها المعطيات الراهنة من أجندة قائمة على الاشتباك مع النفوذ الروسي ومساحات نفوذ مركزه بدوائر إيران إلى نموذج آخر يقف اليه الحزب الجمهورى فى برنامج عمله يقوم لإيجاد صيغة للتعاون بين الولايات المتحدة ودول أوراسيا، وهنا نتحدث عن مشاركة عضوية بين روسيا والاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة لتشكل جميعها حلف واحد هدفه حوصلة الصين جيوسياسيا وليس كما يقف الحزب الديموقراطي عليه جيو اقتصاديا فحسب !
عندها ستكون المنطقة عرضة لتقسيمات جديده كونها ستصبح بلا غطاء مركزي ولا ثقل جيواستراتيجي وازن يحميها إذا ما تركت روسيا حلفائها فى دول المحور وهذا متوقع، وذهبت تجاه عقد تحالف جديد يضم دول أوراسيا فان ايران ستكون في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة وليس مع اسرائيل وحدها، وهذا ما تريده اسرائيل وتسعى إليه، لكنه يعني في نهاية المطاف أن ميزان المعادلة سيصبح بلا غطاء وعلى الدول التي تدور في الفلك الروسي أن تضع هذا الافتراض بعين الاعتبار مع اقتراب دخول المنطقة الى نقطة تحول مركزية، كما ستصبح فى المقابل أنظمة المنطقة مستهدفة بفعل المجالات الحيوية لحلف الناتو مع دخول الصين فى مواجهه مباشره مع شمال العالم تحالف (اوراسيا)، وبذلك تصبح مناطق نفوذ الصين في المنطقة مساحات اشتباك وهذا بحاجة للاستعداد فى حال وصول ترامب لسدة الرئاسة لان المنطقه ستدخل من باب آخر ب "الفوضى الخلاقة".
ولأهمية ما يقف عليه البيان والأمر في ترجمة صيغة المعادلة وصعوبة التنبؤ بنتائجها، فإن ميزان المؤشر سيحمل طبيعة اللون السياسي الذي سيدخل للبيت الأبيض، فإن كان اللون ازرق وحمل كامالا هاريس لسدة الرئاسه فإن حالة الصدام لن تكون قريبة، وهذا ما يرجحه غالبية المتابعين لأن المؤسسة العسكرية مازالت تضع فيتو على الصدام مع إيران، وهو خيار مؤيد من المؤسسة الامنية والعسكرية ، وأن كانت المحصلة باتجاه اللون الأحمر ووصل ترامب فإن المنطقة ستكون ساحة حرب للمعسكرين أحدهما بقيادة الصين وما تبقى من حلفاء والآخر بقيادة أوراسيا إذا ما ذهبت روسيا إلى حلف دول المركز بكل أوزانه، وهو النهج الذي تؤيده الشركات الكبرى فى بيت القرار وتريد وقف تمدد الصين لكن ليس حوصلتها اقتصاديا كالذي يقف عليه التيار الازرق بل بحصارها عسكريا لتكون محصورة ضمن قطاعاتها المحلية فقط !
وهو البرنامج المتوافق عليه من بوتين وترامب ونتنياهو كما تبين تقارير وبعض أنظمة المنطقة كما تقول بعض الاستخلاصات، لكنه مازال يجد معارضة شديدة من التحالف العسكري لدول الناتو طبعا بحلته الحالية، وهو ما يجعل انتخابات الرئاسة الامريكية انتخابات مفصلية كونها بين نهجين وإن كان كلاهما متفق حول الأهداف لكن أجندة كل منها مغايرة في الوسيلة وآليات العمل وسياسات التطبيق، هذا لأن العالم يتجه تجاه الحلول العسكرية !.
وهي المنهجية التي جعلت من نتنياهو يرفض النزول عن الشجرة وتوقيع اتفاقية وقف الحرب على غزة على الرغم من قول الجميع له أوقف الحرب، لا ولقد تم استقباله ببروده من الصحافة الامريكية ومن معظم السياسيين على الرغم من حفاوة الاستقبال التى نالها فى الكونجرس الأمريكي والتي كانت غير طبيعية بل مصطنعة إلى درجة كبيرة للتخفيف من وطأة المقاطعة التي تعرض لها من قبل أعضاء الكونجرس، لكن تم اعطاءه مهلة يومين لبيان موقفه إزاء وقف أطلاق النار مع دخول روما على الخط في تنظيم اجتماعات التفاوض فى محاولة منها و الجميع لعدم الانجرار نحو حرب اقليمية لا يريدها الناتو في المنطقة.
من هنا تأتي اهمية الاتصال الذي جرى بين الملك عبدالله الذي يستضيف مركز الناتو في المنطقة والرئيس بايدن في هذه الظروف الاستثنائية من أجل وقف حالة التدهور في الأوضاع والضغط بكل الوسائل لوقف درجة التصعيد في الضفة عبر الوصول إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، فلقد سئمت المنطقة من حالة العنف والحلول العسكرية التي لا تخدم استقرار المنطقة ولن تقود لتحقيق درجة الأمان لشعوبها فى ظل هذه الحلول العسكرية التى يريدها نتنياهو وحده لاشعال فتيل حرب إقليمية واستدراج الجميع إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية برهانه على وصول ترامب لسدة الرئاسة لاستكمال أجندة الحلول العسكرية !