زاد الاردن الاخباري -
أصدر رئيس الوزراء الاسبق عبد الرؤوف الروابدة كتابه الذي حمل عنوان "معجم العشائر الاردنية " والذي استغرق الروابدة (12) عاماً في البحث والتقصي وتجميع المعلومات حول نشأ العشائر الاردنية وتاريجها وأصولها .
وقد فسر الروابدة السبب الذي دفعه لتأليف هذا الكتاب في المقدمة التي حملت توقيعه والتي جاء فيها:-
تعرضت في سن مبكرة للعديد من المواقف التي استمرت تعتمل في نفسي الى ما قبل سنوات عشر حين بدات بوضع هذا الكتاب.
كانت البداية عندما دخلت المدرسة وكانت اسماء الطلاب ثلاثية لاتحوي اسم عشيرة او قبيلة ( عبد الرؤوف سالم النهار ) اما التخاطب في القرى فكان بالاسم الثنائي ( عبد الروؤف السالم ) واكتشفنا بعد قيام الوحدة الشريفة بين ضفتي المملكة اعتزاز زملائنا باسم العشيرة وبخاصة ابناء المدن مما اضطر العديدين منا لاضافة اسم العشيرة فاصبح اسمي ( عبد الرؤوف سالم الروابدة ).
وعندها سألت جدي عن نسبنا فلم يزد على أن قال إننا من عشيرة الصرايرة في منطقة الكرك دون تأصيل لهذا النسب ولم يزد ذلك عن تعداد اسمه الرباعي ( نهار مصطفى سعد الحمدان ) دون ربط ذلك بالجد المهاجر (سلمان ) وظننت ان ذلك راجع لأميته الا انه قد اتضح لي ان ذلك سمة عند جميع كبار القرية وان اهتمامهم بالنسب وتأصيله غير موجود.
وزاد من اهتمامي بالأنساب أن كثير من الأردنيين ممن يسألون عن أصلهم ونسبهم كانوا يشيرون الى قدوم اجدادهم من احدى الدول العربية حتى استقر ذهني وذهن العديدين مثلي ان هذا الوطن قفر لم يكن يسكنه أحد سوى قلة قليلة من الرعيان والحراثين وبالتالي فلم يكن يوماً ما مستقراً كاشقائه من بلاد الشام وانه بلا تاريخ اوحضارة او دور .
ولما تقدم بي العمر قليلاً وزرت جميع الدول العربية وتعاملت مع أبنائها الأشقاء تبين لي ان لكل دولة عربية كبيرة اوصغيرة، غنية اوفقيرة جلى بتاريخها وحضارتها ودورها ، حتى ان البعض اضطر الى نحت سجل لهذه الامور , غير أن الأردن الوطن والدولة لم يعتني يوماً بتدوين تاريخه ولم يجذر هويته .
تعمقت بدراسة الأسباب فتبين أنها ترجع الى أمورعديدة في مقدمتها أن هذا البلد الذي كان على الدوام جزءاً أساسياً من سورية الكبرى التي قسمت بعد الحرب العالمية الأولى الى أربع دول .
احتفظت أولاها وهي سوريا بالاسم فكان التاريخ المعروف من نصيبها وكان للبنان قضية لا تخفى على اللبيب ولذلك فقد صرف اهله جهداً كبيراً في تدوين تاريخه وتجذير هويته وتمتع في هذا المجال بدعم العديد من الدول المؤثرة .
أما فلسطين فلم تتمتع يوماً كوطن كامل بالحكم الوطني اذ انتقلت من الحكم العثماني الى الأنتداب البريطاني فالاحتلال الاسرائيلي، ولذا فقد أصبحت لها هوية نضالية تقف الى جانبها في ترسيخها جميع القوى العربية و الاسلامية حفاظُـاً على عروبتها .
عاش الاردن الحديث وضعاً مميزاً , فلم يكن يوماً الهدف من نشأته قيام دولة منفصلة عن أشقائها وانما كان الهدف التمهيد لتحرير سورية الكبرى واعادة وحدة أقطرها .
ترتب على ذلك أمور عدة منها غلبة الهوية العروبية وتجاوز الهوية الخاصة ولا أدل على ذلك من ان حكوماته وقياداته المدنية والعسكرية كانت على الدوام تمثيلاً حقيقاً للأمة العربية حتى انه لم يرأس مجلس الوزراء أردني المولد الابعد خمس وثلاثين سنة من تأسيس الدولة وان لم يكن هناك نشيد مدرسي واحد يرد فيه اسم الاردن. ليس من حق احد ان يظن ان هذا الأمر كان مثلبة اوضعفاً وانما هو توجه قومي اصيل، نعتز ونفتخر به وان استغله البعض لانكار دور هذا الوطن واخفاء هويته الوطنية بينما نظّر كل العروبين الى هوية خصوصية لأوطانهم الى جانب الهوية القومية .
لكل هذه الأسباب وغيرها كثير بدأت دراستي حول الأردن والإنسان والتاريخ والحضارة والدور منذ ما يتجاوز العشر سنوات، وقسمت الأمر الى جزئين: يدور الأول حول ( الأردن والتاريخ) وآمل أن انجزه خلال عامين بعون الله ويدور الثاني حول ( الوجيز في العشائر الأردنية حتى عام 1950م )
لقد خلصت من دراستي المعمقة المستندة الى كل المصادر المتوفرة والمتناقلة الى نتيجة ثابتة ان أرض الأردن كانت على الدوام المعبر والمستقر الاول لجميع القبائل العربية التي هاجرت من الجزيرة العربية الى بلاد الشام وان انتشار هذه القبائل كان يتم من الأرض الأردنية وأن الهجرة كانت تتم من جنوب الاردن شمالاً الى باقي الارض الاردنية والى سوريا او غربا عبر وداي عربة الى جنوب فلسطين فشمالها ولبنان وشمال سوريا او عبر وادي عربة الى سيناء فمصر وشمال افريقيا .
وان هجرات مرتدة كانت تعود الى الاردن اما الالتحاق بما تبقى من قبائلها او بهدف العمل او اللجوء هرباً من الفتن والصراعات . ولما كانت الأمية سائدة والنسابون غائبون فان المواطن لا يذكر الا المكان الاخير الذي قدم منه دو ربطه بما سبقه من تحركات قبلية .
ليس من اهدافي في دراستي بناء عصبية اردنية فهي في يقيني مرفوضة ديناً وعروبة ، ولا التفريق بين المواطنين فهذا الوطن نشأ وسيبقى عروبياً ولكل اهله مهما اختلفت الأعراق والأديان والمنابت , ومن يدعو للتفريق او التميز ظالم للاردن قبل ان يكون ظالماً لغيره .
انها محاولة للتأصيل ودعوة لتثبيت عروبة هذا الوطن وتاريخه الناصع وحضارته الاصيلة ودوره الشريف.
وهي دراسة لا تدعي الكمال وانما يعتورها القصور احياناً وقد يصيبها الخطأ احياناً أخرى، وهي أمور يفهما المختصون بسبب نوعية البحث وصعوبته وقلة مصادره ، وساكون شاكراً لكل من ينبهني الى اي قصور او خطأ بعيدا عن الاتهامية المسبقة والاستناد الى الهوى او الى امور لا توثيق لها.