يتهمني أحد الأصدقاء مازحا في عشاء محّمل بالهموم أنني أبالغ في هواجسي من حرب لبنان، وهو يعتقد أن الأردن بعيد إلى حد كبير عن أخطار انفجار الحرب في لبنان.
يقول كلامه هذا تعليقا على مقال منشور بتاريخ 25 حزيران، بعنوان "هل تؤثر حرب لبنان على الأردن؟" معتقدا أننا في الأردن نتوهم تأثيرات الاقليم علينا، ولو وقعت اي حرب في تشيلي او البرازيل، فسيجد بعضنا رابطا بيننا وبينها.
هواجس الأردن بشأن انفجار اي حرب في لبنان، هواجس طبيعية، وهي ترتبط بعدة عوامل لا يقولها الأردن علنا، الا في سياقات عامة، لأن الأردن لا يريد أيضا إثارة الداخل الأردني بسبب أزمات الاقليم، ويحاول معنويا على الاقل الفصل بين ساعات الأردنيين وساعة الاقليم.
في ملف لبنان هناك مستويات للتوجس الأردني، المستوى الاول يتعلق بتدفق الغاز الى الأردن من حقول البحر الابيض المتوسط، وهي حقول فلسطينية قريبة من لبنان نهبتها اسرائيل وتبيع الغاز منها الى دول كثيرة، والأردن من بين هذه الدول، واي انفجار للحرب، عبر توجيه ضربة اسرائيلية ضد لبنان، سيؤدي الى رد فعل لبناني، قد يستهدف هنا حقول الغاز، بما سيؤدي الى وقف تدفقه او انقطاعه جزئيا، هذا اذا تحدثنا فقط عن رد فعل لبناني محدود، والقصة هنا لا تتقصد إثارة خوف أحد، لكن بيئة الاقليم مفتوحة على الاحتمالات.
الثاني يرتبط بمخاوف الأردن من الهجرات المحتملة، لأن اللبنانيين قد يحتملون ضربة اسرائيلية كبرى، يردون عليها بوسيلة مناسبة، لكن فتح عداد الحرب على اوسع مدار يعني أن اللبنانيين لن يجلسوا تحت قصف الصواريخ، وحتى خلال الحرب الحالية نزح بعضهم من مناطق الجنوب الى الوسط والشمال، وفي تجارب سابقة نزح اشقاء لبنانيون من لبنان الى الأردن، خلال الحرب الاهلية في السبعينيات، وفي حرب 2006، واللبنانيون يدخلون الأردن بلا تأشيرات، وربما الاغنياء منهم يتواجد اصلا خارج لبنان، او اختصر المشهد وغادر لبنان واستبق الانفجار، فيما الطبقة الوسطى وربما الفقيرة، ستحاول الخروج الى اقرب مكان واقل كلفة، وهناك دول مرشحة من بينها الأردن، خصوصا، اذا استنتج اللبنانيون بوعيهم ان اشتعال النار سيمتد لفترات زمنية طويلة، بما يعنيه ذلك من ضغوطات على الأردن الغارق اصلا بهجرات الجوار، وباللجوء من دول مختلفة، بما حوله الى مصب سكاني متنوع.
المستوى الثالث في مخاوف الأردن يرتبط بكل الوضع في لبنان، وتأثيرات الحرب المدمرة على الاشقاء اللبنانيين، وعلى ما قد يحدث في سورية اذا توسعت الحرب ايضا، وصولا الى غزة والضفة الغربية والقدس، وما يرتبط باحتمالات حدوث ردود فعل بالصواريخ من العراق واليمن وايران، وكثير من هذه الصواريخ ستعبر سماء الأردن، هذا اذا توسعت الحرب، ولم يتم اطفاء نيرانها، وتفاصيل المشهد في حال توسع الحرب، تضع الأردن امام خطر سياسي وامني، لا يمكن التهوين منه، خصوصا، اذا تمددت الحرب اكثر، وضربت الملاحة والنفط.
في حرب غزة قيل في الأردن، ان الحرب ليست على شواطئ البحر الابيض المتوسط، بل على حدودنا، والامر ذاته ينطبق على لبنان، فإذا وقعت الحرب الشاملة، وليس مجرد ضربات متبادلة محدودة، فسنكون مجددا امام اختبار صعب جدا، في ظل تعقد الوضع الجيوسياسي، والضغط على خواصر الأردن السياسية والامنية، وثقل الملفات الاقتصادية من استدانة وبطالة وفقر وتراجع الاستثمارات والسياحة، وغير ذلك من مؤشرات مقلقة، وماذكرته سابقا مجرد امثلة على تأثيرات محتملة، لكن الامثلة اوسع واعقد من المطروحة والمتوقعة هنا، وتصل الى حد التقييمات حول عمل الجماعات المسلحة، والخلايا النائمة في كل المنطقة.
لابد من خطة طوارئ، للتطورات المقبلة، ومن المؤكد انها موجودة ولو لم يتم الاعلان عنها، لكن ما يمكن قوله اننا شهرا بعد شهر ننزلق في كل المنطقة الى ما لا تحمد نتائجه.
هذا اقليم متشابك، وخيره لأصحابه، وشروره توزع على الجميع!.