مرّت تصريحات وزير الأمن القومي الإسرائيلي بهدوء في أغلب الدول العربية والإسلامية، برغم ما فيها من تهديد مباشر للمسجد الأقصى، من حيث تغيير الوضع القائم حاليا.
قبل أيام يقول بن غفير في مؤتمر، "عودة إسرائيل إلى جبل الهيكل" الذي عُقد في الكنيست الإسرائيلي: "ليس سراً أنني تجادلت مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو حول إغلاق ما يسمى الحرم القدسي في الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان أمام المستوطنين اليهود، ورأيت أنه ممنوع إغلاقه ولو لدقيقة واحدة. لا يزال هناك ما يتوجب المضي به قدماً، وأذكر أياماً كان المسلمون في الأقصى يصرخون عليّ "الله أكبر" وأرد عليهم بصراخي شيماع يسرائيل "تعبير توراتي متعلّق بالصلاة"، وجرى اعتقالي، واليوم الوضع مختلف، الكثير من المستوطنين يقتحمون المنطقة، ويتجوّلون بفخر ويصلّون، وهذا ما ينبغي أن يكون عليه الأمر، لن يكون هناك تمييز ضد اليهود في جبل الهيكل، وهذا ما أسعى من أجله، صليّت هناك ونحن نصلي، أنا المستوى السياسي، والمستوى السياسي يسمح بصلاة اليهود".
هكذا هي القصة حيث يريد الوزير الإسرائيلي تغيير "الوضع القائم" في المسجد الأقصى، والوضع القائم في الأقصى هو مصطلح يشير إلى وضع المسجد ما قبل الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، وبموجب ذلك فإن دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، التابعة للأردن، هي المسؤولة عن إدارة شؤون المسجد، كما كان الوضع سائداً قبل الاحتلال، ومن المعلوم هنا أن إسرائيل منذ عام 2003، بدأت بالسماح للمستوطنين باقتحام الأقصى، دون إبلاغ دائرة الأوقاف الأردنية، من خلال الإغلاقات المتتالية، وفرض التقاسم الزمني، وزيادة مدته.
هذا الملف يمسّ الأردن بطبيعة الحال، مثلما يمسّ المقدسيين بشكل مباشر، الذين يتم التنكيل بهم يوميا بشكل غير مسبوق، منذ بداية الحرب بعد السابع من أكتوبر، حيث وصلت درجات التنكيل إلى أعلى مستوى من خلال الاعتقالات ومنع العمل والملاحقات الأمنية، والخنق المتواصل والاعتداء على البيوت بهدف تقييد أهل القدس ومنعهم من إبداء أي رد فعل تجاه حرب غزة، وفي السياق ذاته عزل سوار الحماية الاجتماعية عن الحرم القدسي.
برغم رفض عدد من الوزراء الاسرائيليين لتصريحات بن غفير، ورفض مستويات دينية لذات التصريحات، إلا أن هذا الرفض يعبر عن حالة مؤقتة، بما يعني أن كل المجتمع الإسرائيلي العلماني والمتدين، السياسي والعسكري، يستهدف الحرم القدسي، وربما التقييمات الأمنية الحالية تجدول هذا الاستهداف، بسبب الظروف الجارية، لكن لا بد من الاعتراف هنا أن المسجد الأقصى أمام خطر جارف، مع تطبيق إسرائيل لسيناريوهات التقاسم الزمني، التي قد تأخذنا الى التقاسم الجغرافي، أو هدم أحد المسجدين داخل الحرم القدسي، وعلينا أن نتخيل فقط الحالة إذا جاء بن غفير رئيسا للحكومة الإسرائيلية، وتزامن ذلك مع وجود ترامب في السلطة، بما يعنيه ذلك من اشتداد للمخاطر التي لا يمكن المراهنة على وقفها كل مرة.
المسجد الأقصى هنا ليس عقارا فلسطينيا، وليس مسجدا عاديا، وله خصوصيته، ومن اللافت للانتباه هنا أن هذه الفترة مريبة جدا، حيث تنهمر آلاف الفيديوهات لعرب ومسلمين عبر وسائل التواصل الاجتماعي كلها تقول أن لا قدسية للمسجد الأقصى، وبعضهم يقول إن الأقصى في السماء، وبعضهم ينفي وجود المسجد أصلا، خلال رحلة الإسراء والمعراج، ويتفنن آخرون في نفي القدسية، ويربط ذلك بمشاريع أموية قديمة لمنافسة الحجاز، والذي يتصفح مواقع التواصل الاجتماعي يجد حربا غير مسبوقة، بهدف غسيل عقول أهل المنطقة، خصوصا، أن بعضهم يريد سببا حتى يرتاح من هم القدس، وهموم الأقصى، وفقا لمعياره.
علينا أن نفتح عيوننا جيدا، نحن أمام مخطط مجدول له أهدافه، وإذا استمرت التهديدات الإسرائيلية بهذه الطريقة فسنكون أمام فاجعة في الحرم القدسي، يوما ما.
بن غفير لا يثرثر هنا لرفع شعبيته، هو يعلن عن برنامج أخطر بكثير مما نراه.