راية واحدة.. إن تعبت يدك ساندتك يدي
ارفع قامتك لتعانق السماء فقيمتك أرفع , فأنت إنسان عربي مسلم –مع كل الذنوب والتقصير التي أغرقتنا من قمة رؤوسنا إلى أخمص أقدامنا- كنا ولا زلنا وسنظل من خير أمة أُخْرِجت للناس فهناك من يحاول تجريدنا من خيريتنا ومكانتنا متناسين أننا الأمة الوحيدة التي حققت مراد لله في خلقه والغاية من وجوده في الأرض"التوحيد", فنحن أمة تبحث عن كل شيء وهي في الحقيقة تملك كل شيء ولكنها للأسف بِبُعْدِها عن الحق فقدت كل شيء-
أننا نملك أعظم الثروات الطبيعية، ولدينا من الطاقات البشرية والفكرية والمادية ما ننافس فيها الأمم ولكن تظل قيمة العربي مهما كان مستواه وغِناه رخيصاً بين شعوب العالم,ليس لأن الشعوب الأخرى تتفوق علينا ولكننا لم نستطع تقييم أنفسنا جيداً أو أن نرفع من سعرنا في ميزان الشعوب, فالحياة خلق من الله ولن تفتح مغاليق الفطرة إلا بمفاتيح من عند الله.
المجازر التي ارتكبت في حق الشعوب العربية من شرقها إلى غربها وعلى مدار السنين الماضية أظهرت رخص قيمة الإنسان العربي, فملايين العرب فقدوا حياتهم وعاشوا الأمرّين من استعمار وقتل وسفك واستعباد ولم تستطع الأجيال التي تلتها أن تحقق العدل لها أو أن تُنْصِفها وأصبحنا من أرخص الشعوب قيمة على وجه الأرض, عندما يُقْتل المئات من الأطفال والنساء والرجال والشيوخ في فلسطين وغزّه والعراق والأحواز وجنوب لبنان والصومال والسودان وليبيا واليمن وسوريا وغيرها ومجلس الأمن والجامعة العربية والمنظمات والجمعيات بجميع مسمياتها تقف عاجزة عن إيقاف تلك المجازر ما بين مماطلة ومهادنة, وبعد أن تنتهي تلك المجازر فإنها تتحول إلى مجرد ذكرى نكاد ننساها مع مرور الوقت دون أي حراك ايجابي لتفادي مثل تلك التجارب الأليمة مستقبلا أو اتخاذ أي احتياطات لها أو حتى مطالبة بمحاكمة من تلطخت أيديهم بجرائم الحرب- فهذه الظروف إضافة إلى ضعف الأنظمة العربية وترهلها، وانتشار الفساد وتفضيل المصالح الذاتية على مصلحة الأمة جعلت الإنسان العربي "منزوع الانتماء" لوطنه وللمجموعة, متحليا بروح الانهزامية،غير مستقر عاطفياً وفكرياً ومليء بالتشاؤم والسلبية غير قادر على النهوض بنفسه أو بغيره , ولذا نجده انقسم إلى صنفين أحدهما يسعى للاغتراب وهجر وطنه ربما وجد قيمة لنفسه في بلاد الغربة متخذا شعار "نارك ولا جنة أهلي" والآخر مغلوب على أمره منطويا تحت لواء وشعار " حط رأسك بين الرؤوس ", فهل يوجد سبيل لتغيير تلك النظرة المخزية عن واقع الإنسان العربي؟ ربما كان هناك سبيل واحد لتغيير الواقع ورفع قيمة الإنسان العربي دون الاعتماد على الأنظمة العربية أو حتى مجابهتها- بل ربما كان التأثير عليها بشكل ايجابي فتكون لنا العون والسند.
تلك الطريقة لا تكون إلا بصلاح الأخلاق, وجب التفتيش لكل منا بحقيقة أخلاقه فلن يحدث أي تغيير ايجابي إلا بصلاح القلوب والنفوس- فالأمم لن تسود بالعلم والقوانين فقط لأنها بلا أخلاق تؤدي إلى انهيار – فالانفلات الأخلاقي اشد واخطر من الانفلات الأمني , فلم تتأزم السياسة والاقتصاد والإعلام والتعليم إلا بفساد الأخلاق – ولن تُصَحّح إلا بتغيير الباطل إلى حق وتغيير "انعدام الرجولة" المتمثل بأغلبية القوم إلى "شهامة"والخروج من سجن الجهل إلى فضاء العلم ومن نجس الهوى إلى طهارة القُدُس- فالقلب لكل منا هو الملك والأعضاء هي الجند فان طاب الملك طابت الجنود- نريد إعادة بناء دولة مُشَرّفة بعد أن تشتّت شملها بإعادة بناء القلوب الذي هو محل الشقاء والفناء أو النقاء والبقاء , والآن فليضع كل منا نفسه موضع الحاكم ,ماذا هو فاعل ليتم البناء ؟.
العمل بلا كسل فالعمل مقرون دائما بالإيمان , نحتاج إلى مشروع لرفع قيمة الإنسان العربي لبناء دولة عظمى يعانق رأسها السماء ,مشروع يرتكز على محاور أهمها "الدفاع القانوني" بحيث يُجْمع اكبر عدد من المحامين المتطوعين العرب الذين يعملون بالداخل والخارج لتشكيل فريق دفاعي لحماية حقوق العرب المتضررين من المجازر وجرائم الحرب وقضايا الفساد من خلال رفع قضايا في المحاكم الدولية ومتابعتها- مما يشكل قوّة قانونية يحسب لها حسابها على المستوى الدولي , فأين هم هؤلاء الرجال؟.
ثاني المحاور رفع القيمة المعنوية وتكريم الانجازات العربية والشخصيات التي قدّمت وتُقدم لشعوبها , إضافة للتربية وغرس مفهوم الإبداع كوسيلة للبقاء وتوثيق القدرات الإبداعية وتعميمها كوسائل دراسية , وان كانت الأنظمة لا تنظر إلى هذا الجانب نظرة اشمل فأين نظرة الجهات الخاصة وأصحاب النفوذ والمال الذين يُعدّون من صفوة المجتمع؟.
المحور الثالث الإعلام , فمن خلال وسائل الإعلام الايجابية "الغير معنونة سياسيا بأجندات تخدم غيرنا وتلك التي جل انتباهها يرتكز على هز الخصر والفتن",نستطيع عكس الصورة السلبية عن المجتمعات العربية في العالم كله, إضافة إلى تقوية شبكة الانترنت فتلك الشبكة تزيل الحواجز بين المجتمعات وتسهّل عملية نشر الأفكار الايجابية بين الأجيال وتكون في مواجهة مفتوحة مع الغرب دون حواجز أو تشويه, فأين أنت أيها الجندي المجهول ذو الإبداع من هذا التوجه؟.
وأخيرا الدعم المادي , هناك الكثير من الأموال في العالم العربي ولكن للأسف نجد أنها تُوضع في المكان الغير مناسب فمنها ما يذهب إلى افتتاح محطات الخلاعة أو بناء ناطحات السحاب أو الكازينوهات أو غيرها من المشاريع التي تزيد في غربة الإنسان العربي داخل موطنه وفي معظم تلك المشاريع شبهة فساد واستنزاف لثروات وتحميل مديونيات تقف الدول حَيْرى في كيفية سدادها , وبالمقابل هناك الكثير من أصحاب المال ممن يملكون الرغبة في دعم مجتمعاتهم وتطويرها،والأكثرية من يرغبون بالعمل , فهل نسمع لكم أيها الكرام صوتا؟.
تلك المحاور قد تُبدّل وتُغَيّر من الواقع شيئا ,وقد يقول البعض أن هذه مجرد فكرة ولكن يجب أن لا ننسى أن كل انجاز بدأ بفكرة ربما كانت "بداية الطريق" لان يفخر ابني وابنك بكونهم "عرب" يعيشوا فوق تراب عربي مرفوع القامة والقيمة ينظر الجميع إليهم باحترام وهيبة , وإلا ما قيمة الأوطان ولا قيمة فيها للإنسان .
فأمتنا بحاجة إلى غرس من كل فرد كل حسب موقعه- تبتدئ بنبتة الوحدانية لدين الله وتُسْقى بماء الكرامة لتعلو وتُزْهر لتعانق السماء بقيمتك وقامتك لتظلّل كل الأوطان - ولتكن غايتنا جميعا رفع راية واحدة فان تعبت يدك من حمل الراية ساندتك يدي ويد الله فوق الجميع.
Enass_natour@yahoo.com