مازالت الفضيلة هي ذلك الوسط بين رذيلتي الإفراط والتفريط. مقولة أرسطو أصابت كبد الحقيقة في كل شيء بما فيها هذه الأحداث الجارية من حولنا بصواريخها ومسيراتها. الفضيلة كما الحكمة تبقى «ضالة المؤمن»، لكن سعد في هذه الدنيا من نال ثمارها معا، فكان كمن ظفر بالحسنيين ونعم بالدارين. ففي بازارات آخر الزمان، كثيرون باعوا واشتروا في الفضيلة والحكمة. وكم من سوقوا أنفسهم على جمع المجد من أطرافه فضلا وحكمة. لا أحد يقول عن «زيته عكر»! لا عن نفسه ولا عما يعتبره خاصته من حزبه أو جماعته. حتى الهزائم لا يستدعوا كوارثها فحسب بل ويسوقونها على أنها انتصارات. لا يخادعون في ذلك إلا أنفسهم ولو على حساب جروح وجراحات الناس المغلوبين على أمرهم إذعانا أو استحياء أو استغفالا.
كبر أبناء جيلي على الشعور بالأسف والمرارة جراء الاكتفاء ببيانات الحمد أو الجلد في القمم العربية والمحافل الأممية، حتى صرنا في زمان إما غابت فيه حتى التصريحات والبيانات عن الشاشات والصحف والمواقع، وإما تم إغراقها أو التشويش عليها بسيل جارف من السرديات التي تسطو على الفضاء الافتراضي للمنصات كل حسب لوغاريتماتها. بعيدا عن الانتخابات في ساحات دولية عدة، وليس بمنأى عما يجري في الشرق الأوسط وأوكرانيا، رأينا أثر الاتصال والتواصل بدوائره الكلاسيكية والحديثة حتى في حدث كالاغتيال الفاشل الذي استهدف حياة الرئيس الأسبق دونالد ترامب. صار الحدث الذي رآه الملايين على الهواء مباشرة، صار في تفاصيله لا بل وحتى في صورته الأيقونية موضوع تلاعب في عدد من التطبيقات للتأثير على الناخب الأمريكي كما اعترف كبار التقنية «بيغ تيك» بمن فيهم «ميتا» (فيسبوك وإنستغرام) وغوغل.
ما عادت التهمة موجهة فقط إلى روسيا كما كان الحال في انتخابات 2020 بل تشمل الآن الصين وإيران. التلاعب بالوعي الاجتماعي لا يستهان به. ودائما يبدأ بالمزاج ومن ثم الرأي، الشعور والعاطفة فالتصوّر والسلوك ومن ثم القرار. من كان ليتخيل أن تفرد صورة كبرى قماشية للمرشد الأعلى ل «الثورة الإسلامية في إيران» على الواجهة الأمامية لمتحف بروكلين في قلب مدينة نيويورك؟!
بعض المتنطعين من جهابذة الترجمة، أولئك المتقعرين في تشددهم، أصروا يوما ما على ترجمة «الساندويش» بأنه «الشاطر والمشطور وما بينهما»! جملة كاملة بالإمكان الاستعاضة عنها بكلمة واحدة. لا بل بلغ الأمر تحت ضغط السرعة والتخفيف عن الناس، اختصار كلمات بحرفين، حيث صارت الثانية تختصر بحرفي «سِكْ» عوضا عن «سكاند»! وما هو شرعي أو أصلي أو متقن ب «لِجِتْ» بدلا من «لجتيميت»!
بعض القرارات الخطرة في المراحل الحرجة لا تحتمل لا خطابا وخطبة ولا قصيدة، ولا ينبغي تحميلها أكثر مما هي فيه. لا وقت أبدا للتردد. لا عنعنة ولا ثرثرة ولا سفسطة. الحق بيّن، وكذلك الخير والأمن والوطن، والنجاة والحياة، وإلى آخره مما يحكم حياتنا وسيؤثر شئنا أم أبينا على مستقبل أبنائنا وأحفادنا.
الله يعلم كيف سيكون الحال عند نشر هذه السطور الأحد والتي أخطها الجمعة. الثابت الجليّ أن الظرف دقيق لا يسمح بتكرار أي همز أو لمز فيما يخص الثوابت فيما أعلنه أردننا المفدى للعالم كله، بأن أرض وسماء ومياه المملكة، لن تكون أبدا ممرا لأحد أو ساحة قتال لأي كان. هذا موقف قائم بذاته، جسّده قادتنا وملوكنا الهواشم في حرصهم على أداء الأمانة إزاء من يرعون من مواطنين ومن لاجئين ووافدين طلبوا الأمن والأمان والرزق في ربوع أردننا الحبيب.
لمن لم يشبعه حقده وحسده وجحوده، همزا ولمزا بما في ذلك الذم واللطم، الذي تناقل بذاءاته وترهاته الذباب الالكتروني في نيسان الماضي أو آب الحالي، لا نقول -ربيعا أو صيفا- إلا خيرا، ونطعمه لوجه الله مقسّم الأرزاق الوهّاب سبحانه، نطعمه شطيرة تسد فكيه حتى لا يلوك بسمعة الأشراف الأحرار الذين ما خذلوا وطنهم ولا أمتهم يوما. هذه الجعجعة لا طحن فيها ولا خبزا. وأولويتنا كانت وستبقى الأردن أولا وآخرا، شاء من شاء وأبى من أبى. أما الغضبان لإيران و»وكلائها» دون غضبة حق لوطنه وبلاده، ومراعاة لظروف الديرة والعشيرة، فاعطوه سندويشة شاورما واكثروا من الشطّة! ويبقى دعاؤنا قبل هذه الحرب وبعدها، اللهم حكمة وقوة، أمنا وسلاما، ازدهارا ورغدا..