زاد الاردن الاخباري -
سيطرت حالة من القلق على الأسواق العالمية، في ظل مخاوف حقيقية من أن أكبر اقتصاد في العالم يتجه نحو الركود.
اكتست الأسواق العالمية باللون الأحمر جماعيا، بعدما أظهرت أرقام طلبات البطالة الرسمية في الولايات المتحدة، عدداً مفاجئاً من العاطلين عن العمل، بجانب بيانات منفصلة أظهرت ضعف قطاع التصنيع، ما زاد المخاوف بشأن الاقتصاد الأمريكي.
هذه الأخبار أدت إلى انهيار الأسواق المالية العالمية، بدءاً من يوم الجمعة الماضي، وسط مخاوف من أن الاقتصاد الأميركي قد يكون على وشك هبوط حاد، بعد أسابيع من الارتفاع الكبير في أسعار الأسهم في الولايات المتحدة واليابان والعديد من الدول والأسواق العالمية.
كما زادت المخاوف بفعل التوقعات المتزايدة بأن مجلس الاحتياطي الاتحادي قد يضطر لتبني سياسة تيسير نقدي حادة، ما تسبب في موجات بيعية عالمية، وسط تخلي المستثمرين عن الأصول ذات المخاطر، بسبب القلق من الركود، والاعتقاد بأن خفض أسعار الفائدة بشكل سريع سيكون ضرورياً لإنقاذ النمو.
ويخشى خبراء الاقتصاد، أن يكون الاقتصاد الأمريكي أضعف مما يتوقع محافظو البنوك المركزية في الاحتياطي الفيدرالي، ما قد يجبر الفيدرالي على خفض كبير في تكاليف الاقتراض في اجتماع الشهر المقبل، أو حتى اتخاذ إجراءات طارئة قبل ذلك، لتحفيز الطلب.
وأشار ستيفن براون، نائب كبير خبراء الاقتصاد في أمريكا الشمالية لدى كابيتال إيكونوميكس، إلى أن "التباطؤ الحاد في الرواتب في يوليو/تموز، والارتفاع الكبير في معدل البطالة، يجعل خفض أسعار الفائدة في سبتمبر/أيلول أمراً لا مفر منه، وسيزيد من التكهنات بأن الفيدرالي قد يبدأ دورة تخفيف السياسة النقدية بخفض 50 نقطة أساس أو أكثر".
ما هو الركود الاقتصادي؟ الركود الاقتصادي هو حالة تحدث عندما ينخفض النشاط الاقتصادي بشكل ملحوظ ومطرد على مدى فترة زمنية طويلة، عادة تستمر لربعين متتاليين أو أكثر، ويتميز بانخفاض الناتج المحلي الإجمالي (GDP)، وزيادة معدلات البطالة، وانخفاض الإنفاق الاستهلاكي والاستثمار التجاري، وتراجع أرباح الشركات.
كيف يؤثر الركود الاقتصادي على سوق العمل؟ يمكن أن يصاحب الركود الاقتصادي انخفاضاً في أسعار الأسهم والعقارات، وتدهور في ثقة المستهلكين والشركات، وتكون له آثار سلبية كبيرة على الاقتصاد والمجتمع، حيث يمكن أن يؤدي إلى فقدان الوظائف، وتقليص الدخل، وزيادة الفقر، وتدهور الخدمات العامة، ما يتطلب تدخلات حكومية وإصلاحات هيكلية للتعافي.
ويمكن أن يصبح الانحدار في الناتج الاقتصادي والعمالة الناتج عن الركود مستداماً ذاتياً، فقد يؤدي انخفاض الطلب الاستهلاكي إلى قيام الشركات بتسريح الموظفين، ما يؤثر سلباً على القدرة الشرائية للمستهلكين ويضعف الطلب الاستهلاكي بشكل أكبر.
خلال فترة الركود في الولايات المتحدة الممتدة من 1937 إلى 1938، انخفض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 10%، في حين ارتفعت البطالة إلى 20%.
ما مؤشرات الركود الاقتصادي؟ يحدث الركود نتيجة لعوامل متعددة، منها: صدمات العرض والطلب، مثل الأزمات النفطية أو الكوارث الطبيعية، والسياسات النقدية التي تقيد الائتمان أو السياسات المالية التي تزيد من الضرائب أو تخفض الإنفاق الحكومي، والأزمات المالية، مثل انهيار سوق الأسهم أو فشل البنوك الكبرى، والتغيرات في الأسواق العالمية، مثل انخفاض الطلب على الصادرات.
مؤشرات الركود الاقتصادي تشمل مجموعة من العوامل الاقتصادية التي تشير إلى تدهور في النشاط الاقتصادي، أبرزها انخفاض الناتج المحلي الإجمالي، حيث يعد انخفاض نمو أو تراجع الناتج المحلي الإجمالي لأكثر من ربعين متتاليين علامة واضحة على الركود.
زيادة معدلات البطالة هي مؤشر آخر مهم، حيث يعكس ارتفاع عدد العاطلين عن العمل ضعف الاقتصاد، بجانب تراجع مستوى إنفاق المستهلكين على السلع والخدمات، وانخفاض الاستثمار التجاري في المشاريع الجديدة والمعدات والبنية التحتية، كما يشير انخفاض الإنتاج الصناعي إلى ضعف النشاط الاقتصادي في القطاعات الصناعية المختلفة.
كما يظهر من خلال انخفاض الطلب الاستهلاكي، وتراجع أرباح الشركات، وانخفاض أسعار الأسهم، ويمثل ارتفاع معدلات إفلاس الشركات دليلاً على الركود، حيث يزيد عدد الشركات التي تعلن إفلاسها نتيجة عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها المالية، ويعكس تراجع ثقة المستهلكين والشركات توقعات سلبية تجاه المستقبل الاقتصادي.
ويعتبر انخفاض الصادرات مؤشراً آخراً، حيث يؤدي تراجع الطلب العالمي على المنتجات الوطنية إلى انخفاض في الصادرات، بجانب تدهور سوق العقارات، من خلال انخفاض أسعار العقارات وتراجع نشاط البناء والتطوير.
منذ فبراير/شباط 2022، بدأ الفيدرالي الأمريكي رفع الفائدة، للسيطرة على التضخم المتصاعد، انطلاقًا من (صفر - 0.25%) لتبلغ 5.25 و5.5%، وهي الأعلى منذ عام 2001.
قال الخبير الاقتصادي، أحمد معطي، إن بيانات التوظيف في الولايات المتحدة جاءت سلبية جداً، وبدأت الأسواق تتوقع دخول السوق الأمريكة لمرحلة ركود، في ظل خسارة الشركات، حيث حقق عدد كبير منها نتائج اعمال سيئة، متوقعاً مشاهدة المزيد من الضغوط، حيث أصبح “الكاش” هو المسيطر.
وأضاف معطي، أن الملياردير الأمريكي وارن بافيت، باع من شهرين جزء من أسهمه في شركة “بي واي دي”، مرجعًا ذلك إلى تخوفه من الأسواق المالية، ومنذ أسبوعين بدأ ببيع أسهم في “بنك أوف أمريكا”، رغم انه سهم مهم جدًا، كما باع يوم الجمعة نصف أسهمه في شركة أبل، وأصبح معه أكثر من 277 مليار دولار سيولة، وهي أكبر من أي قيمة يمتلكها شخص في العالم.
وتسببت السياسة النقدية المتشددة من قبل الفيدرالي في ضعف سوق العمل، حيث أظهرت وزارة العمل الأمريكية، أن الوظائف غير الزراعية بلغت 114 ألف وظيفة في يوليو/تموز، وهو ما يقل عن التقديرات التي كانت تتوقع 175 ألف وظيفة، مع تعديل الأرقام السابقة نزولاً من 206 آلاف إلى 179 ألف وظيفة.
وارتفع معدل البطالة في الولايات المتحدة من 4.1% إلى 4.3%، وانخفض متوسط الأجر بالساعة من 0.3% إلى 0.2%، وفي الوقت نفسه، تقلصت الأنشطة في قطاع التصنيع بوتيرة أسرع وفقًا لمؤشر مديري المشتريات التصنيعي الذي بلغ 46.8 في يوليو/تموز.
ومع ذلك، استبعد معطي، دخول الولايات المتحدة في حالة ركود، موضحاً أنه لكي نقول أنه يوجد ركود يجب أن يكون هناك انكماش في المنو الاقتصادي لستة أشهر متتالية، إلا أن النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة يرتفع ووصل إلى 2.8%، وهو ما يعتبر تباطؤ في النمو.
وتتعرض الأسهم العالمية لخسائر كبيرة، وسط مخاوف من أن الفيدرالي يتأخر كثيرًا في تقديم الدعم اللازم للاقتصاد المتباطئ، وأن أسهم الذكاء الاصطناعي قد ارتفعت إلى مستويات لا تبررها إمكانات أرباحها.
وصرح راجات أجراوال، استراتيجي الأسهم في سوسيتيه جنرال إس إيه: "نشهد عملية تصفية نموذجية للمخاطر في الأسواق الناشئة اليوم، وتتركز بشكل أكبر في الأسواق التي تهيمن عليها التكنولوجيا مثل تايوان وكوريا".
وأضاف: "تبدأ عمليات تصفية المخاطر من القطاع الأكثر ازدحاما ثم تتوسع، ما يجب مراقبته هو مدى استمرارية عمليات البيع بعد هذا التصحيح الحاد".
كيفية التعامل مع الركود الاقتصادي ذكر معطي، أن الركود الاقتصادي يدفع الحكومات لتبني سياسات مالية واقتصادية متيسرة، إلا أن العملية تستغرق وقتًا طويلًا قد يصل إلى عدة سنوات، حتى يعود النشاط الاقتصادي لطبيعته.
وتوقع الخبير الاقتصادي، أن يبدأ الفيدرالي مسار التيسير النقدي اعتبارا من اجتماعه المقبل، لتجنب دخول الاقتصاد الأمريكي في "نفقاً مظلماً"، مؤكداً أن المؤشرات الاقتصادية الحالية كانت متوقعة من قبل الفيدرالي، إذ أن التشديد النقدي يؤثر على سوق العمل والنشاط الاقتصادي.