تواجه اليابان، ثالث أكبر اقتصاد في العالم، تحديات اقتصادية جسيمة تؤثر على استقرارها المالي والاقتصادي ، و هذه الأزمة ليست معزولة، بل هي جزء من ديناميكية أوسع تشمل الاقتصاد العالمي، مما يجعل من الضروري فهم جذورها وتأثيراتها على النطاق الأوسع ، وفي هذه العجالة ، سنستعرض الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها اليابان، ونحلل أسبابها وتأثيراتها على السوق العالمية ، ودعونا في البدء نتعرف على
الخلفية التاريخية ، حيث تبدأ القصة في عام 1985 مع توقيع اتفاقية "بلازا" التي كان الهدف منها خفض قيمة الدولار الأمريكي لتعزيز تنافسية العملات الأخرى ، وقد كان لهذا الاتفاق تأثير كبير على الاقتصاد الياباني ، إذ جعل السلع اليابانية أقل قدرة على المنافسة في الأسواق الدولية، مما دفع الحكومة اليابانية لتقديم دعم مالي كبير لمنتجيها الوطنيين ، وهذا الدعم تمثل في انخفاض الضرائب وأسعار الفائدة، وهو ما أسفر عن طباعة كميات كبيرة من الين غير المغطى ، وصولاً إلى ما يسمى أزمة الديون والتضخم ، وقد تزايد الدين الوطني الياباني بشكل مقلق، ليصل إلى مستويات قياسية، حيث يقدر حاليًا بـ 263.9% من الناتج المحلي الإجمالي ، حيث أدى هذا الدين المرتفع إلى فجوة كبيرة في ميزانية الحكومة، مما أجبرها على اللجوء إلى المزيد من الاستدانة ، وفي الوقت نفسه، أدى التوسع في قروض الشركات والبنوك إلى زيادة التجارة المالية من خلال ما يعرف بتجارة المناقلة، حيث استثمرت الشركات اليابانية في الأصول الأجنبية للاستفادة من أسعار الفائدة الأعلى ، أما عن
التضخم وتداعياته ، فمع حلول عام 2022، بدأ التضخم في اليابان يرتفع بشكل ملحوظ، متجاوزًا بشكل كبير أسعار الفائدة على الودائع، مما زاد من معاناة المودعين ،و في نهاية عام 2023، قررت البنوك المركزية في الولايات المتحدة ودول غربية أخرى رفع أسعار الفائدة لمكافحة التضخم، مما أدى إلى تحويل رؤوس الأموال اليابانية إلى هذه الأسواق بحثًا عن عوائد أفضل، الأمر الذي ساهم في انخفاض قيمة الين ، وعن إجراءات الدعم والتقلبات الاقتصادية ، فقد جاء ردًا على انخفاض قيمة الين، حيث قام البنك المركزي الياباني ببيع احتياطياته من السندات الأمريكية ودعم العملة من خلال رفع سعر الفائدة ، ورغم هذه الإجراءات، بدأت الأسهم الأمريكية في الانخفاض، مما دفع المستثمرين اليابانيين إلى بيع الأصول الأمريكية وعودة الأموال إلى اليابان، مما تسبب في ارتفاع الين ، ومع ذلك، فإن هذه الزيادة في قيمة الين أثرت سلبًا على الأرباح من تجارة المناقلة، ما أدى إلى ضغوط إضافية على السوق ، وهنا نأتي إلى النتائج والتوقعات ، حيث أدى هذا الوضع إلى انهيار سوق الأسهم اليابانية، و شهدت الأسهم انخفاضًا حادًا وصل إلى 15% في بعض الفترات ، و رغم أن هناك مؤشرات على انتعاش السوق بفضل تدخل البنك المركزي الياباني، إلا أن العوائد السلبية على الاستثمارات تبقى مشكلة كبيرة ، و من المتوقع أن يستمر رأس المال في التدفق إلى الخارج، مما سيؤدي إلى مزيد من التقلبات في سعر صرف الين وأزمات في الأسواق العالمية ، وهذا ما يمظهر التحديات المستقبلية ، سيما وأن اليابان تواجه مستقبلاً غير مؤكد، و قد تستمر الاضطرابات الاقتصادية مع تقلبات حادة في الأسواق المالية ، إضافة إلى ذلك، فإن التحديات العالمية مثل النزاعات الجيوسياسية وإغلاق مضيق هرمز ونقص النفط قد تؤدي إلى تفاقم الأزمة المالية العالمية بشكل أكبر ، وخلاصة القول: الاقتصاد الياباني يمر بمرحلة حرجة تتطلب اتخاذ خطوات جريئة وحلول مبتكرة للتعامل مع الديون المتزايدة والتضخم وتحديات الأسواق العالمية ، وعلى الرغم من التحديات، فإن الاستجابة الفعالة والتخطيط الاستراتيجي يمكن أن يساعدا اليابان في اجتياز هذه الأزمة واستعادة استقرارها المالي ... !! خادم الإنسانية .
مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .