ما نشره وزير خارجية تونس السابق رفيق عبد السلام على حسابه على منصة (X)، يدخل من باب "الغباء السياسي"، خصوصا أنه حمل تهديدا مباشرا للأردن يقول فيه "إن فعلها الأردن، فقد وضع نفسه على فوهة بركان، ولا يلومنّ إلا نفسه، إذا تحرك المحيط من حوله واهتزت الأردن من تحت قدميه".
يبدو أن المدعو رفيق كان يجرب قريحته في نظم الشعر، كما يبدو أنه مشروع شاعر فاشل جدا، ناهيك عن أنه سياسي مشكوك في أهليته لكي يتجرأ على مثل هذه الاتهامات التي تأتي من باب "ركوب الموجة".
رفيق نقل مزاعم جهات خارجية أن الأردن يسمح لإسرائيل بالتصدي لهجوم إيران داخل أجوائه، وأن بيانات ملاحية تؤكد أن طائرات حربية للاحتلال تحلق بسماء المملكة، وهذه ادعاءات لن أذهب إلى نفيها وتفنيد بطلانها، لأن المصدر الذي استند إليه واضح الأهداف، ولا يستحق منا الرد لسذاجة الطرح، وسفاهة المضمون، وسوداوية الغاية. بل أتساءل هل وصل داء تناقل الإشاعات من مصادر غير موثوقة أو مغرضة إلى طبقة السياسيين، خصوصا ممن لا يمتلكون الثقافة ولا المعرفة ولا الوعي لتمييز دقة الخبر من عدمه، أو ممن يسوقون ما يتماشى مع أهدافهم، أو من فئة الذين انطفأت عنهم الأضواء، وهم يسلكون طُرقا ملوثة وفاسدة وغير شريفة في محاولة إعادة تلك الأضواء إلى شخصياتهم المهزوزة والفاشلة؟
مضى على جريمة الإبادة الصهيونية بحق الأشقاء الفلسطينيين أكثر من 300 يوم، راح ضحيتها نحو 40 ألف شهيد، ومئات الآلاف من المصابين. أكثر من مليون نزحوا أكثر من مرة، بينما هدم العدو البنية التحتية بشكل شبه كامل للقطاع الصامد الذي كان سكانه ينعمون بتعليم متقدم، وخدمات صحية، وحياة مستقرة، ولم نجد محيطا قد تحرك من حول دولة الاحتلال، ولا أرضا اهتزت في المدن المحتلة شرقا وغربا، وشمالا وجنوبا، ولا فوهة بركان أخرجت ما في داخلها من نار تأكل الأخضر واليابس.
لم نسمع من هؤلاء سوى إطلاق العنان لشعارات الحرية لفلسطين، والزوال للاحتلال! عن أي زوال يتحدث هؤلاء وهم يشاهدون أشقاءهم الفلسطينيين تتفجر من أجسادهم ينابيع دماء لتسقي أرض فلسطين في مواجهة قوة متغطرسة، وحكومة متطرفة، دون أن يجرؤ المنظّرون من خلف شاشات أجهزة الهاتف إلا على أبناء جلدتهم من العرب، وتحديدا الأردنيين، وكأنّ المملكة هي من سلّمت فلسطين لإسرائيل، بينما كان العالم العربي يقاتل ويناضل للحيلولة دون ذلك.
لا أفهم كيف سيزلزل هذا الشخص الأرض من تحت أقدام الأردن، ودولة الاحتلال لا تبعد عن عمّان سوى عشرات الكيلومترات، ولا يمكن له الوصول إلى سماء المملكة إلا بعد عبور أجواء دولة الاحتلال التي هي أقرب إليه منا. أي نفاق هذا، وأي تدليس؟
وأنا أقرأ تعليقات الأردنيين على ما نشره الوزير التونسي السابق، أجد أن هناك حاجة لأن يدرك الجميع أن لهذا الوطن شعبا لا يمكن له أن يقبل المساس بالأردن، فقد نزلوا عليه كالصاعقة، لعله يستنير ومن يتابعه، بأن الموقف الأردني ثابت وواضح، فلا يسمح لأي دولة كانت باستخدام أجواء الأردن لتنفيذ أعمال عسكرية ضد أي دولة، ومن يريد أن يخوض حربا فعليه الابتعاد عن السيادة الأردنية كليا.
وربما يمكن تذكير الوزير المتقاعد، أن أجواء البلدان التي يحتمي بـ"أناشيدها"، وهدير جندها ومسيّراتها، هي أجواء باتت لعبة لطيران العدو، يفعل فيها ما يشاء، من غير أن تجرؤ تلك الدول على إطلاق سوى الكلام، والبيانات الجوفاء.
من دون أن ندخل في مهاترات ومزايدات كثيرة، لا أقول لك: اخجل!!