زاد الاردن الاخباري -
المفكر العربي الكبير طارق فايز العجاوي - حقيقة يتجاوز تهويد القدس شكل الاستيطان ومصادرة الأرض إلى ما هو أخطر وهو (تهويدها حضاريا) وهذا الشكل الأكثر خطرا يتمثل بفرقة الآثار العربية واستبدال الأسماء العربية بأسماء أو إشارات أو معاني يهودية وإزالة المقابر والمعالم ذات الصبغة العربية الإسلامية وهذه حقيقة لابد من الوقوف عندها وهي لا تخفى إلا على كل أعمى بصر وبصيرة ونسوق ونحن بهذا الصدد أمثلة:
- جبل أبو غنيم استبدل بمسمى صهيوني "هارهوما"
- حائط البراق استبدل بمسمى صهيوني "حائط المبكى " وهو الجزء الجنوبي الغربي من المسجد الأقصى .
- حي المغاربة استبدل بمسمى صهيوني (حارة اليهود).
- (القدس الكبرى إشارة إلى المناطق التي ضمها الصهاينة القدس المحتلة من حولها وهي حقيقة تسمية تنم عن خبث ودهاء وهذه التسمية تعطي مشروعية لهذا الضم.
- قبة الأقصى استعيظ عنه بمسمى صهيوني ألا وهو (جبل الهيكل ).
- جبل بيت المقدس (وهو البقعة التي يوجد عليها المسجد الأقصى) استبدل بمسمى صهيوني ألا وهو (جبل موريا) .
- القدس الشريف استبدل بمسمى صهيوني ألا وهو (مدينة داود ).
- المسجد الأقصى (وهنا علينا ملاحظة أنه مجرد الحديث عن هيكلهم المزعوم – يعطيهم المشروعية من حفر تحت المسجد الأقصى لهدمه- استبدل بمسمى صهيوني ألا وهو (هيكل سليمان ).
- المصلى المرواني (وهو التسوية الشرقية للمسجد الأقصى) استبدل بمسمى صهيوني ألا وهو (إسطبلات سلميان).
- صخرة بيت المقدس استبدل بمسمى صهيوني (وسط هيكل سليمان ) ومسمى آخر (قدس الأقداس).
- والمسميات المستبدلة كثيرة ولكن حقيقة لابد من الإشارة لها لإعادة الأمور الى نصابها الصحيح فكما هو معروف فان دلالة المصطلح تعطيه شرعية إذا ما استمر طويلا تداوله وهذا قطعا ينطبع على الأسماء فعلينا التنبه لذلك والتركيز عليه كي نكون دائما على صلة بإرثنا وتاريخنا بكل ما فيه.
- إن التهويد أيها الأخوة لا يطال القدس وحدها بل هو يطال فلسطين بمجملها أرضاً وتاريخا واستيطانا ولكن حظيت القدس منذ البداية بتركيز خاص لما تتمتع به من مكانة تاريخية خاصة في أساطيرهم اليهودية ولما تمثله حقيقة من رمزية توراتية تؤسس لمشروعية ما يعرف بدولة إسرائيل "دولة الكيان الغاصب" ثقافيا حتى عند غير المتدينين منهم –أقصد اليهود- وهذه نقطة غاية في الأهمية فهي قد تغيب عن بعضنا مع أنها تمثل الأس والأساس في البعد الثقافي للصراع، إذاً القضية أخطر بكثير من قضية وضع اليد والسيطرة الفعلية على الأرض فهي تطال التاريخ والبعد الحضاري بكل ما فيه وبقضه وقضيضه وهذه المنظومة من المفاهيم والقيم منظومتنا أم منظومتهم تثبت نفسها وينتج عنها بل تفرز المشروعية التاريخية والحضارية للطرف الذي يقع على عاتقه حملها.
إذاً قضيتنا ليست قضية مفاهيم ومصطلحات فحسب وليست قضية سيطرة استعمارية على الأرض فحسب بل هي حقيقة (هوية) تلك الأرض وهل هي بالتالي عربية أم يهودية وفي فلسطين يتم اختزال هذه القضية بالبعد الرمزي للقدس وفي قدسنا يتم اختزال ذلك البعد الرمزي تحديدا بالمسجد الأقصى وقبة الصخرة وفي الأقصى يتم تلخيص البعد الرمزي للصراع العربي – الصهيوني حول هوية الأرض بهوية الحائط الجنوبي الغربي من المسجد الأقصى وهل يا ترى هو حائط البراق الحائط الذي ربطت إليه البراق مطية رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام في رحلة الإسراء والمعراج أم هو حائط المبكى حسب ترهات اليهود يشكل جزءا او بقية من هيكل سليمان الثاني المزعوم الذي تم بناؤه بعدما سمح ثايروس الفارسي لليهود بالعودة الى فلسطين بعد السبي البابلي فتم استكمال بناؤه بعد سبعين عاما من تدمير الهيكل الأول في ظل الإمبراطورية الفارسية في عهد داريوس .
إذ تقول روايتهم التي يفوح منها العفن التلموذي والتي فحواها أن المسجد الأقصى بني على أنقاض هيكلهم –هيكل سليمان- .
أما روايتنا نحن تقول بان المسجد الأقصى هو ملكية عربية بحتة ووقف إسلامي إلى ما شاء الله وهو الثابت والمثبت تاريخيا .
ويجب أن نثبت أمراً هاما بخصوص ما أوردناه ألا وهو أن ملاحدة اليهود وعلمانيوهم أدركوا قبل حاخاماتهم أهمية فرض الرواية التوراتية حول الأقصى لتبرير احتلاله فلسطين.
والكل يعلم قام ما به موشيديان – وزير دفاع سابق- من قيادته لحاخامات اليهود للصلاة أمام حائط البراق بعد احتلال القدس عام 1967 م علما بأنه لم يكن متديناً الشاهد ان هوية حائط البراق هي عنوان للصراع لأنها عنوانا لهوية الأرض وهذا ندركه كعرب بحسنا البديهي والعفوي ولذلك كثيرا ما نراهم يرفعون صورة قبة الصخرة أو المسجد الأقصى أو الاثنين معا وعلى الأغلب ممكن أن يقع خلطا بينهما وفعلا فقد أصبحا يمثلان شيئا واحد في العقل الجمعي الإسلامي العربي .
والكل يعلم أيضا ما أمر به السفاح موشيديان ورئيس بلدية القدس بالأيام الأربعة التالية لاحتلال مدينة القدس في حرب 1967م وكان مناط أمرهم هو تدمير حارة المغاربة المجاورة لحائط البراق وتم تشريد أهلها وإخراجهم للشوارع وتم السيطرة عليها بعد إزالتها بواسطة التفجير بدون وجود مبرر عسكري وتم ذلك بعد انتهاء المقاومة والمعارك ثم بعد ذلك تم تحويل الساحة المقابلة لحائط البراق إلى بؤرة لممارسة شعائرهم الدينية.
يقول "هيرتزل" وقوله هذا يصب حقيقة في صميم البعد الثقافي للصراع وهو لم يكن يوما ملتزما دينيا :" إذا حصلنا يوما على القدس وكنت لا أزال حيا وقادرا على القيام بأي شيء فسوف أزيل كل ما ليس مقدسا لدى اليهود وسوف احرق الآثار التي مرت ليها عبر القرون".
وفي 27 -6-1967م عقد مؤتمر في القدس وعقدوه حاخامات اليهود في العالم قرروا فيه الإسراع بعملية إعادة بناء الهيكل الثالث على أنقاض الأقصى.
أما في عام 1839م كانوا اليهود قد حاولوا الحصول على حق مكتسب لحائط البراق من خلال طلب ترخيص لتبليط الرصيف الواقع تحت الحائط في عهد حكم محمد علي باشا لبلاد الشام ومنها فلسطين ولكن محمد علي باشا رفض ذلك رفضا قاطعا وُنفذَ فعلا الرفض بواسطة رسالة إلى ابنه إبراهيم فأصدر إبراهيم قرارا يمنع اليهود من خلاله تبليط حائط البراق مع المحافظة على حق زيارته كما كانوا يفعلون.
وفي عام 1911م حاول اليهود إحضار كراسي عند البكاء أمام الحائط وحاولوا إقامة ستار للفصل بين الجنسين عند البكاء أمام الحائط فاعترض على ذلك المغاربة وألغى محافظ القدس هذه البدعة خوفا من ادعائهم بملكية حائط البراق.
ولقد طلب حاييم وايزمن وبعد خمسة أشهر من وعد بلفور عام 1917م –وكان وقتها رئيس المنظمة الصهيونية العالمية – من وزير الخارجية البريطاني تسليم الحائط لليهود وإجلاء المغاربة وله محاولات كثيرة لشراء الوقف الذي تقوم عليها حارة المغاربة.
وبذكرى تدمير هيكل سليمان لدى الصهاينة قامت تظاهرة كبرى في تل أبيب في 14-8-1929م وفي اليوم التالي توجهت التظاهرة باتجاه حائط البراق وطالبت به ملكية يهودية وقامت على اثر ذلك اشتباكات عنيفة تطورت إلى ما عرف بـ"ثورة البراق".
وتتالت الانتهاكات الصهيونية للمسجد الأقصى بكل أشكالها المعروفة (تدمير ،حفريات،أنفاق، تفجير، ...الخ) وكان أهمها على الإطلاق ذلك الحريق الهائل للمسجد الأقصى الذي أتى على منبر صلاح الدين وأجزاء هامة أثرية من المسجد ومحتوياته وذلك في 21-8-1969م .
واهم المجازر التي ارتكبت في الأقصى ما حصل عام 1982 وفي 1990م وتحديدا في 8-10 من العام المذكور وما عرف أيضا بمجزرة النفق عام 1996م وفي عام 2000م في مستهل انتفاضة الأقصى.
وفي 23-9-1993 أصدرت محكمة العدل العليا الصهيونية قراراً بعد توقيع اتفاقية أوسلو بعشرة أيام يقضي باعتبار المسجد الأقصى أرضا إسرائيلية وضعتها المحكمة تحت وصاية منظمة أمناء الهيكل الصهيونية المتطرفة وهي إحدى الواجهات الذي يستغلها الكيان الصهيوني للاعتداء على الأقصى.
وما زالت سلسلة الانتهاكات الصهيونية بحق القدس قائمة ومتتالية ومنها الحفريات تحت الأقصى وبجواره مستمرة وهم بقرارة أنفسهم يدركون أنها لن تجدي نفعاً ولن تؤدي إلى أي نتيجة بخصوص هيكلهم المزعوم ولكنها حقيقة سلسلة الحفريات هذه تهدد الأقصى للسقوط بعد تآكل أساساته فأصبح من السهل سقوطه فهل يا ترى نتركه يسقط على الرغم من كل ما يمثله في الصراع وفي هويتنا العربية الإسلامية؟! .
حقيقة الأقصى ليس بديلا للقدس والقدس ليست بديلا لفلسطين ولكنها أضحت تكفيفاً لها وهذه أصبحت حقيقة ثقافية تفرض نفسها بنفسها حتى عند أولئك الذي يرفضون التأويل الديني للصراع ولكن علينا أن ندرك في هذه المعركة أن الإسلام ظهيرا للموقف الوطني والقومي لعكس صحيح ولا تناقض بين كليهما وما زالت التحرشات الاستفزازات الصهيونية في القدس قائمة حتى تاريخ كتابة هذه السطور بالإضافة إلى الحفر الذي لا يخفى ضرره على المسجد الأقصى.
*&* نظرة في الجغرافيا الديموغرافيا لبيت المقدس :
منطقة القدس الكبرى حسب التسمية الصهيونية لها (مترو بوليتان جيروزاليم ) بلغ عدد سكانها عام 2007م أكثر من سبعمائة واثنان وثلاثون ألفاً نسمة وأقل من ثلثيهم بقليل من اليهود وأكثر من ثلثهم من العرب وهي بدون أدنى شك أكبر تجمع سكاني صهيوني تليه تل أبيب ثم حيفا وقد كان عدد سكان الشطر الغربي المحتل من القدس عام 1948م حوالي أربع وثمانون ألفاً ومساحتها حوالي 85% من إجمالي مساحة القدس آنذاك أما الشطر الشرقي المحتل من القدس فلم تزد مساحته عن 2,4 كم مربع أو 11،48% من مساحة المدينة، لكن القدس التي كانت تبلغ مساحتها عام 1948م حوالي 21،1 كم مربع باتت تتمدد –بفعل البلع الاستيطاني الغاشم- اليوم على 125 كم مربع من الأراضي وهذا على حد زعم مكتب الإحصاء المركزي الصهيوني في نهاية عام 2006م أي ستة إضعاف حجمها عام 1948م –والحبل كما يقال على الجرار- وهي صورة حقيقة تعكس عملية نهمهم البشعة في ابتلاع الأرض وضمها لبلدية القدس منذ تأسيس دولة الكيان الغاشم في 15-5- 1948م وخاصة من حزيران عام 1967م .
وكما هو معلوم فلقد تم ضم القدس رسميا للكيان لصهيوني في شهر آب عام 1980م وهي حقيقة لم تتحول بالصدفة إلى أكبر تجمع صهيوني أو حتى نتيجة عوامل طبيعية بل الثابت إنها نتيجة قرار ممنهج ومرسوم لتهويدها وحتى مصادرة الأراضي المحيطة بها وإحاطتها بأحزمة من المستعمرات ومحاولات جادة لطرد السكان العرب منها وفي وقتنا الراهن يبلغ طول غلاف القدس تقريبا وهو ذلك الجزء من الجدار العازل جدار التوسع والضم والفصل العنصري البغيض الذي يحيق بالقسم الشرقي من المدينة ويمتد من شماله إلى جنوبه خمسين كم وهذا يعني حقيقة ضم المزيد من الأراضي والقرى والأحياء العربية للقدس ومنع ارتباطها أو تواصلها مع الخليل جنوبا أو رام الله شمالا هذا إذا علمنا أن مستعمرة "معاليه أدوميم" تحاصر القدس من الشرق وكما هو معلوم فإن جدار العزل بالإضافة لعزله القدس عن الضفة الغربية فإنه قطَّع المناطق العربية داخلها إلى أجزاء ثلاثة وبذلك عزلها عن بعضها البعض فالأحياء العربية في القدس الشرقية باتت معزولة عن البلدة القديمة وعن القرى العربية في شمال المحافظة والبلدة القديمة باتت معزولة عن القدس الشرقية والثابت أيها الأخوة ان هذا كله هو جزء من إستراتيجية فحواها تضييق الخناق على أهلنا في القدس من اجل إجبارهم لمغادرة مدينتهم وحقيقة هي إستراتيجية يتبعها تكتيك ومكمل ألا وهي عملية سحب بطاقات هوية المقدسيين بالمئات كل عام أضف إلى ذلك قرارات إخلاء المنازل بعد ضم الأراضي دون سكانها فما حصل في بعض أحياء بلدتي أبوبيس والعيزرية الملاصقتين للقدس وفيها غير الاستيلاء على الأرض وسلبها –الإستراتيجية الصهيونية- توسعة المدينة التي ما فتئت عن القيام بها وهي إستراتيجية ورائها خبث ودهاء لا يخفى على احد.
والله من وراء القصد