لا يلام الأردن حين يحاول استرداد عافيته الداخلية التي تضررت كثيرا بسبب حرب غزة، فالقصة هنا ليست إدارة للظهر لغزة، بقدر تخفيف التداعيات على الأردن داخليا.
هذه ليست أنانية، ولا عزلة، خصوصا مع المؤشرات التي تتدفق بين وقت وآخر، حول تراجع قطاعات مختلفة، وما يعنيه ذلك من تأثير على الاقتصاد في ظل العجز والمديونية، وربما الأردن يحتاج أكثر من غيره من دول جوار فلسطين، إلى وقف الحرب، إذا تمكن من ذلك.
يخرج علينا قبل يومين رئيس مجلس مفوضي إقليم البترا، فارس بريزات، في مقابلة مع قناة المملكة، ويعلن عن إغلاق 35 فندقا في البترا وتسريح قرابة 371 موظفا بسبب تراجع الحركة السياحية، التي تعتمد على الولايات المتحدة وأوروبا بدرجة رئيسية، مع توقعه ألا تتجاوز نسبة الزوار هذا العام 25 % من إجمالي عدد السياح للبترا العام الماضي، والأخطر في كلامه ما قاله حول وجود استثمارات بأكثر من نصف مليار دينار من منشآت سياحية في منطقة وادي موسى تحديدا، مشيرا إلى أن جزءا كبيرا من هذه الاستثمارات يعتمد على الاقتراض من البنوك، ومعنى كلامه هنا أن هذه الاستثمارات تتعرض إلى أخطار كبيرة، كونها مقترضة أساسا من البنوك، بما يعنيه ذلك من احتمالات تعثر السداد المالي، في ظل تراجع السياحة، وما يعنيه ذلك من تأثير بنيوي على استقرارها ووجودها، ولنا هنا أن نضع كل الاحتمالات.
من الطبيعي جدا أن تتراجع السياحة، لأن السائح حين يتابع أخبار المنطقة، والصواريخ المتطايرة، وإغلاقات المطارات، ومنع التحليق، واحتمالات توسع الحرب في كل المنطقة، فسيفضل الذهاب إلى مناطق آمنة، ولن يغامر بنفسه، أو عائلته، فهو في نهاية المطاف سائح يختار منطقة من بين مناطق عدة، وليس مضطرا للمغامرة، أو شرب حليب السباع للقدوم إلى منطقة الشرق الأوسط التي تنام في حال وتصحو على حال ثانية، كل يوم وليلة.
ربما الذي أنقذ فصل الصيف اقتصاديا وسياحيا، إلى حد ما، قدوم الأردنيين إلى بلدهم، فهو بلدهم نهاية المطاف، ولديهم من الاحتمال والدوافع ما يجعلهم يأتون ولا يغيبون عن الأردن، على الرغم من أن المقارنة هنا غير جائزة بين السائح والمواطن، لكننا نتحدث بمنطق الأرقام.
لقد كانت أبلغ جملة قيلت حول حرب غزة، أنها تبدو وكأنها على حدودنا، وليس على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، وإذا كان هذا الكلام هو الواقع، فإن التراجعات شملت قطاعات كثيرة، من البناء والمقاولات، مرورا بغيرها من قطاعات، لاعتبارات التحوط أو الحذر أو عدم اليقين أو قلة السيولة، وهو أمر نراه حتى على مستوى تحصيلات الخزينة المالية من الرسوم والضرائب.
من ناحية سياسية-اقتصادية، لا بد من معالجة مختلفة، حتى لا تتعمق هذه التأثيرات الحادة على الأردن، وهي معالجة لا تبدو مستعصية، لكنها صعبة بطبيعة الحال، بما يوجب اتخاذ خطوات لتحريك الاقتصاد داخليا، وتجهيز خطة منذ الآن لما بعد الحرب، هذا إذا توقفت الحرب التي تبدو تأثيراتها المؤذية شاملة، وتتجاوز حدود مساحات الحرب الجغرافية.
تتوالى المؤشرات ونحن شعب يحترف تشخيص الأزمات دائما، لكننا بحاجة الى الحلول، لأن الاستسلام للواقع مكلف استراتيجيا، وهو ثمن مؤلم، لا يرضاه الغزيون لنا، حتى لا يعتقد البعض أن وقوع الأضرار على الأردن، يعد طبيعيا، أو عملا من أعمال الوطنية نهاية المطاف، فهذه سذاجة تتم عنونتها بمثل شعبي يقول.. "إذا ما خربت ما بتعمر"، وهو مثل من أسوأ الأمثال العربية، ويعبر عن جهل وعمى بصر وبصيرة على حد سواء أيها السادة.