لست خبيرا ولا عالما متخصصا بشأن عدالة او ظلم النظام السوري لشعبه ، ولا بد ان أهل سوريا أدرى مني ومن غيري بشعابها وحال شعبها ، ومع ذلك فإنني استطيع ان اخمّن بأننا في الاردن أفضل حالا من أهلها ألف مرة ومرة حتى ولو نهشتنا ذئاب الفساد وتسلط علينا أردئ العباد وأكلوا لحمنا وشربوا دمنا.
والدليل على ما أظنه و أزعمه هنا يمكنك ان تلمسه وتشمه وتراه على أرض الواقع كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة . فقد كنا في الاردن نقصد سوريا ولبنان وفلسطين والعراق ومصر كسبا للرزق وبحثا عن العلاج والمعرفة والمعيشة الأفضل، وها نحن اليوم أصبحنا مقصدا للرزق والمعاش وملاذا للأمن والأمان لكل بلاد الشام ومصر و أرض الرافدين وغيرهم .
والاردن الذي شهد الجميع بأن اراضيه قاحلة وجدباء حال مقارنتها بالغوطة وجبل لبنان وسهل الكرمل بات مصدّرا للخضار والفاكهة الى كل دول الجوار، حتى اصبح أهل الغوطة يتسابقون على شراء منتوجات أراضينا القاحلة ويفضلونها على منتوجات بلادهم ... فلماذا...؟ وأين العلة في أرض الخير والعطاء الشامية ؟وماذا حل بإهراءات روما ياترى ؟
كل اردني عجوز شكى أوائل الخمسينات من ضرسه ، كان مضطرا لبيع ارضه من أجل التماس العلاج بثمنها في بيروت أو دمشق ومراجعة طبيب الأسنان هناك بدلا من الإستعانة بكماشة الحلاق في بلادنا ، ثم أصبحت مستشفياتنا بحمد الله مقصدا لكل علاج دقيق وصعب ومستعصي في الدول المجاورة فلماذا اندحرت المعرفة بهذه البلدان للوراء رغم أن أول عربي حاز على جائزة نوبل في الطب كان لبناني الأصل والمنبع؟
كانت مجرد أيام دارت سريعا كفيلم أو حلم وجرت تباعا لبضع سنين فإذا بالأردن يغدو ملاذا لكل أهل الجوار من بطش الزمان وحيف الزعماء وسوء النوايا فهل من عبرة لمن يعتبر؟
سوريا التي كانت تمثل بالنسبة لنا رأسا كبيرا مليئا بالمعرفة والحكمة في بلاد الشام ، كانت لها أمجاد لم تكن لنا عندما حكمت المشرق والمغرب مرتين .
وها هي سوريا اليوم ، أم المجد والتاريخ التليد أصبحت في نظر العالم اصغر من حبة البندق بعد أن غدت في مهب الريح تتقاذفها الأنواء حتى أمسى مصيرها مجهولا ومعتما وغامضا وعلى كف عفريت... فأين ذهبت العراقة والتاريخ والأمجاد والسؤدد؟ ومن الذي ضيعها وأفسد حاضرها وماضيها وأحلام المستقبل؟
حالنا الأفضل هنا لم يبنى على أكتاف السوريين ولا على أمجاد سوريا العروبة ولا على ضياع مجدها التليد ، فما الذي ينفعنا سقوط او بقاء النظام فيها؟
صحيح ان الذين ظلموا في سوريا وعقدت السنتهم عن البوح باسباب الخسارة و الضياع سوف يفرحون لسقوط النظام ، ولكن قلة من الأردنيين الذين طالهم حيف ما بعده حيف هناك سوف يشعرون بالرضا.
هؤلاء المظلومين الأردنيين الذين خدعوا بالشعارات السورية وغادروا بلادهم يوما لأجل نصرة النظام هناك كان جزائهم في دمشق العروبة ، حبسا وتعذيبا زهاء ربع قرن ، بينما نحن حملنا على الأعناق و الأكتاف كل لاجئ ومستجير سوري قدم الينا مدحورا من بلاده، وأصبح عندنا بلمح البصر رمزا فريدا للثراء من بعد فقر وفاقة ، ورمزا للسيادة وعلو الشأن والنفوذ من بعد ذل وهوان في موطنه وساحة عزه .
ولو ساعدنا أحدهم على الخلاص من الضيم الذي حل ببلاده لرمانا السوريون وكل العرب بلسان واحد بتهمة التآمر وتدمير أمجاد سوريا الغابرة ....... فهل نملك قدرة على اتخاذ موقف يتسم بالحياد والسكوت وعدم التدخل كما فعلنا عند غزو العراق ؟