نفهم أن لا تبحث الحكومة عن شعبية، ولا تسعى إلى استرضاء أحد، ولكن لا نفهم لم تستعدي الحكومة الشعب بشكل مجاني دون مقابل، إلا التململ والغضب الشعبي تجاه هذه الحكومة التي تختلق الأزمات بمهارة، وكأن المقصود بعدم الاسترضاء هو قلب ظهر المجن للمواطنين، واستجداء أعداء بأي شكل من الأشكال.
عندما يصرح وزير تطوير القطاع العام عماد فاخوري أن من صلاحية مجلس الوزراء تعيين من يراه مناسباً في الدرجات العليا والمراكز المتقدمة غير التابعة لديوان الخدمة المدنية وذلك دون تبرير القرار لأحد وبعيداً عن سياسية الاسترضاء والضغط الشعبي، فلا أظن أن معاليه كان موفقاً في هذا القول، وخانه لسانه، ويبدو أنه لم يُسَمِّعْ درسه جيداً، فأطلق رصاصة مؤلمة سيكون لها تأثيرها السيئ على حكومة الرفاعي التي لا ينقصها مزيد من القصف وهي لم تزل في بواكيرها، وأسفي على هذه الوزارة المحرومة من طفولتها، والتي ما زالت تتلقى الضربات منذ ولادتها بسبب وزراء كانوا عليها وبالاً ونذير شؤم.
عندما يخرج هذا القول (دون تبرير القرار لأحد) من وزير فإنه يستخف بكل الشعب الأردني الصابر المرابط القابض على الجمر، المتحمل لكل متطلبات التقشف وشظف العيش على أمل أن تتحسن الأحوال. معالي الوزير يظن أنه يمكن أن يقول ما يشاء في غياب مجلس النواب، وما درى معاليه أنه إن غاب 110 نائب فإن ستة ملايين أردني هم نواب أنفسهم ولهم حق محاسبة الوزير ومساءلته، فنحن في دولة القانون والمؤسسات، ولسنا هملاً أو أصفاراً على الشمال.
معالي الوزير بقوله (دون تبرير القرار لأحد) يؤسس لسياسة تدميرية تنذر بكارثة، فمن حق الأمين العام عندها أن يحتج بقول الوزير (دون تبرير القرار لأحد)، ومن حق المدير أن يتشبث بقول الوزير (دون تبرير القرار لأحد)، ومن حق رئيس القسم أن يتخذ قول الوزير (دون تبرير القرار لأحد) حكمة ونبراساً، ومن حق الموظف أن يفعل ما يشاء ويقرر ما يشاء تحت مظلة قول الوزير (دون تبرير القرار لأحد)، وفي النهاية من حق أي أحد في هذا البلد أن يتخفى خلف قول الوزير (دون تبرير القرار لأحد) لتبرير أعماله وتصرفاته، وخاصة أن القول صادر عن وزير تطوير القطاع العام، ويبدو أن من متطلبات تطوير القطاع العام أن تتخذ القرارات كيفما شاء دون حاجة لتبرير القرار أو توضيحه لأحد.
لن يقيم المواطنون الدنيا من أجل تعيين أحد ما في الوظائف العليا، فمن حق الحكومة أن تجتهد وتقرر الأنسب حسب وجهة نظرها، ولكن ليس من حق أحد أن يحذف الآخرين من حسابه وكأنهم رعاع أو همج لا قيمة لهم، وقديماً قيل: الملافظ سعد، فكان بإمكان معاليه أن يصرح أن الحكومة اجتهدت قدر طاقتها وقررت الأفضل والأصلح حسب معايير محددة متفق عليها، أما إلغاء ستة ملايين أردني فهذا تصرف غير مقبول، ويحتاج إلى إجراء مناسب من دولة الرئيس، تخفيفاً للتوتر والضيق الكامن في النفوس، وعدم الرضا عن تصرفات كثيرة لبعض الوزراء الذين أداروا ظهورهم للمواطنين وحقوقهم ومشاعرهم.
لن نطالب باستقالة الوزير، فهذه الدعوات تأتي عادة بضدها، ولكننا نرجو أن يبقى الوزير على رأس عمله، بل وزيادة صلاحياته ومسؤولياته، فالوزير غير المضطر أن يبرر لأحد قراراته هو وزير لا مثيل له، ولا يمكن أن يجود الزمان بمثله.
الحكومة مقدمة على قرارات صعبة كما هو متوقع، والأردن يتعرض لضغوط خارجية كبيرة، والمواطنون يعضون على جراحهم ولا يرفعون سيفاً ولا رمحاً في وجه حكوماتهم، ولذا فإنه من الكياسة أن تسعى الحكومات إلى كسب تأييد المواطنين وتكاتفهم حولها، وأن تأخذهم بالحسنى، وأن تبتعد عن تهييجهم واستعدائهم، فهي ليست بحاجة إلى أعداء جدد، أو مواطنين يتمنون زوالها ورحيلها، فسنة الحياة أن ترحل الحكومات أما الشعب فهو باقٍ، فالحكومات مؤقتة والشعوب دائمة أزلية، ومن اللياقة أن يحترم الراحل الدائم، والراكب الجالس، والضيف مضيفه.