من السهل جداً دفن الرأس في الرمال أمام إعلان «ترامب العقاري» عن تفكيره «بتوسيع خريطة إسرائيل الصغيرة»، ومن السهل أيضاً التقليل من شأن هذا التصريح باعتباره دعاية انتخابية لكسب أصوات %2 من مواطني أميركا اليهود، كما من السهل في هذا السياق إغفال ونسيان خريطة وزير المالية سموتريتش التي استدعت شعار عصابة أرغون الصهيونية منذ 1930 وعقيدتها إلغاء الأردن والفلسطينيين معا، أقول من السهل فعل ذلك، ولكن دعونا ننظر مع من نتعامل في هذا الصدد.
إن تراث توسيع حدود الدولة ليس فكرة استحدثها ترامب، بل هو تراث أميركي قديم، ذلك أن 25 % من مساحة أميركا الحالية كانت أراضي مكسيكية، واستولت عليها أميركا بالحرب والمال، كما اشترت أميركا من الروس ولاية ألاسكا مقابل سبعة ملايين دولار. !! لهذا لن تكون خطة توسيع إسرائيل لتشمل أرض إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات بغريبة على الكونجرس الأميركي إذا ما عرضت عليه!
ترامب مع إسرائيل، إذا قال فعل؛ فقد نفذ قانوناً أميركياً قديماً بنقل السفارة الأميركية إلى القدس دأب كل رئيس أميركي على تأجيل تنفيذه كل ستة أشهر منذ 1995، أعلن شرعية المستوطنات في الضفة الغربية خلافا لموقف أميركا وأوروبا منذ 1967، وألغى حق العودة، ولا ننسى هنا صفقة القرن والتي مضمونها مفتوح على جميع الاحتمالات وأخطرها التوطين في الأردن وإلغاء قيام دولة فلسطينية وهو ما يعتبر في ذاته تهديدا وجوديا للأردن! ومما يلفت النظر مؤخرا استهداف إسرائيل للمخيمات والعمل الدائم منذ عملية الطوفان على تجريفها- كما تشير مصادر صحفية فلسطينية- ناهيك عن استهداف الأونروا ومحاولة إلغائها وخنق تمويلها.
كشفت أحداث غزة عن تغيير في دور المدرسة الدينية التقليدية في إسرائيل، وعن تعديل على اتفاقها القديم مع بن غوريون الذي وافق لهم على الإنفاق على المدارس الدينية وحرمة السبت وعدم الخدمة في الجيش، حيث انخرط اتباعُها في العقدين الأخيرين - على غير موقف آبائهم وأجدادهم- في الجيش ومؤسسات الدولة وهم الآن يمثلون الدولة الإسرائيلية الرسمية والشعبية رافضين إقامة دولة فلسطينية، ويعملون على الاستيطان في الضفة الغربية - يهودا والسامرة - ويدعون علنًا لتهجير الفلسطينيين إلى الأردن وإقامة دولة لهم فيها، وقد توّجوا موقفهم قانونيا بإصدار قرار هذا العام - ولأول مرة في تاريخ الكنيست - برفض إقامة دولة فلسطينية «باعتبارها تهديدا وجوديا لدولة إسرائيل»! علما بأنه قد صوت مع القرار غانتس، وغاب عن الجلسة لبيد!! وهم الذين نعتبرهم حمائم إسرائيل الجدد.
محليا فإن «المطمئنين الجدد» من نوايا إسرائيل وأميركا لم يفصحوا لنا عن سبب طمأنينتهم، وأعتقد أنها تعود لركونهم إلى علاقة الأردن مع أميركا، وهم على طريق الذين آمنوا أن معاهدة الأردن مع إسرائيل، حصن للأردن من أطماع إسرائيل وأن التعاون العسكري والسياسي والمالي مع أميركا ضمانة لمنع تعرض الأردن لأي اعتداء على دستورها وأرضها.
إلا أن الواقع اليوم يثبت أن أميركا «قلابة» وخاصة عندما يتعارض أي أمر في الشرق الأوسط مع مصالح إسرائيل، فإن التضحية بالعلاقة مع الأردن واردة، بل واردة جدا!
محليا، فإن الجبهة الداخلية موحدة مع القيادة ومع الجيش في رفض أي حل للقضية الفلسطينية على حساب الأردن، وهذا أمر دونه الرقاب، وأدعو الجميع وخاصة المنشغلين بفتح حروب «دون كوشوتيه» داخلية - لرفع عقيرتهم برفض تصريحات ترامب، ولو كُنت في موقع القرار لأعلنت عن تحرك دبلوماسي واسع واجتماعات مع الصين وروسيا - وبلاش إيران الآن - فإن أميركا مثل ترامب مطور عقاري تراجع حساباتها وتغيير سياساتها عندما تعرف أن لك خيارات مختلفة، فاهم علي جنابك؟!