في زمن يشهد أعلى درجات النضج البشري، يلوح في الأفق تهديدٌ جسيم يتمثل في انقطاع الإنترنت ، و هذا التهديد يحمل في طياته مخاطر كبيرة للخروج العلمي والعالمي عن المسار العولمي، مما قد يؤدي إلى قصور معرفي وعدم القدرة على التكيف مع الأزمات ، فالإنترنت ليس مجرد أداة للاتصال، بل هو العصب الرئيسي للحياة الحديثة، سيما وأنه متوغلاً في كل جانب من جوانب حياتنا اليومية، من الاقتصاد وصولاً إلى العلاقات الاجتماعية ، ولكن ماذا لو انقطع هذا العصب الحيوي فجأة ؟!! وكيف سيكون شكل العالم إذا انقطع هذا العمود الفقري الذي يربط البشرية ، ويغذي الذكاء الاصطناعي ؟!! وللإجابة نقول :
للأسف، قد نجد أنفسنا أمام كوارث بالجملة تبدأ بانهيار اقتصادي عالمي ، لأن الإنترنت ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو الشريان الذي يغذي الاقتصادات العالمية ، وتعتمد عليه الشركات الكبرى والصغرى على حد سواء في إدارة أعمالها، من خلال التجارة الإلكترونية، والتحويلات المالية، و حتى إدارة العمليات اللوجستية المعقدة ، وفي حال انقطاع الإنترنت، ستتوقف المعاملات المالية، مما قد يؤدي إلى انهيار الأسواق المالية بشكل غير مسبوق ، كما ستتعطل سلاسل التوريد العالمية، مما سيؤدي إلى نقص حاد في السلع والمنتجات الأساسية وارتفاع جنوني في الأسعار ، ولن يقتصر الضرر على الاقتصاد فحسب، بل سيمتد ليشل البنية التحتية والخدمات الحيوية ، إذ أن الاعتماد على الإنترنت تجاوز الاقتصاد ليشمل القطاعات الحيوية مثل الرعاية الصحية، الطاقة، والنقل ، و تعتمد المستشفيات على الإنترنت في إدارة السجلات الطبية، و طلب الأدوية، وتشغيل المعدات الحيوية ،بالتالي انقطاع الإنترنت يعني توقف هذه الخدمات أو تراجعها بشكل كارثي، مما يهدد حياة الملايين ، كما سيعاني قطاع الطاقة من انهيار في إدارة الشبكات الكهربائية ومحطات الطاقة، مما قد يؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع ، أما في مجال النقل، فإن انقطاع الإنترنت سيعطل حركة الطيران، والنقل البحري، والسكك الحديدية، مما يعمق أزمة سلاسل التوريد ويزيد من العزلة الجغرافية ، فضلاً عن أن انقطاع الإنترنت سيؤدي أيضاً إلى تفكك النسيج الاجتماعي ، وفقدان التواصل العالمي ، حيث أن الإنترنت لم يعد مجرد أداة عمل فحسب ، بل هو جسر يربط بين الأفراد والمجتمعات ، و انقطاعه يؤدي إلى انهيار منصات التواصل الاجتماعي وانعزال الأفراد داخل مجتمعاتهم ، و سيتوقف تدفق المعلومات، وستصبح الشعوب منعزلة عن بعضها البعض، مما يخلق فجوة معرفية كبيرة ويزيد من التوترات والصراعات بين الدول ، ومن جانب آخر، سيجد الذكاء الاصطناعي نفسه في مأزق ، حيث تعتمد تطبيقات الذكاء الاصطناعي على البيانات المتدفقة عبر الإنترنت لتعمل بكفاءة ، و بدون الإنترنت، تتوقف معظم هذه التطبيقات عن العمل أو تصبح غير فعالة، مما يؤدي إلى تراجع الإنتاجية وتعطل الخدمات التي تعتمد على هذه التقنيات ، و سيتوقف التطور في مجال الذكاء الاصطناعي، مما يضع حداً لمستقبل واعد بتقنيات جديدة قادرة على تحسين الحياة البشرية.
إلى جانب ذلك، سنشهد أزمة معلوماتية ومعرفية ، وقد أصبح الإنترنت المكتبة الحديثة للعالم، حيث تُخزن المعرفة وتُتاح للجميع ، و انقطاع الإنترنت يعني انقطاع الوصول إلى كم هائل من المعلومات والأبحاث العلمية، مما سيؤدي إلى توقف عجلة التعليم والتطور العلمي ، و سيجد الطلاب والمعلمون أنفسهم في ظلام معرفي، وسيشهد البحث العلمي تراجعاً كبيراً ، كما سيؤدي انقطاع الإنترنت إلى اضطرابات اجتماعية وفقدان الثقة بالنظام العالمي ، فإذا كان الإنترنت هو الرابط الذي يجمعنا، فإن انقطاعه يعني فقدان الثقة في النظام العالمي ، وهذا الانقطاع قد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية كبيرة، حيث يشعر الناس بالذعر والارتباك نتيجة فقدان الوصول إلى المعلومات والخدمات الأساسية ، وقد تواجه الحكومات تحديات ضخمة في إدارة الأزمات الناجمة عن هذا الانقطاع، مما قد يؤدي إلى انهيار ثقة الشعوب في قياداتها.
وخلاصة القول، انقطاع الإنترنت سيعيد البشرية إلى عصر ما قبل العولمة، وإلى زمن كان فيه الاتصال محدوداً، والمعلومات نادرة، والتقدم بطيئاً ، و ستتوقف عجلة التطور بشكل شبه كامل، وسنشهد عودة إلى عصور مظلمة حيث ينحصر الإنسان في دائرته الصغيرة، فاقداً الاتصال بالعالم الخارجي ، سيما وأن الإنترنت ليس مجرد تقنية حديثة، بل هو العمود الفقري لعالمنا المعاصر ، و انقطاعه سيكون كارثة تهز أسس الحضارة الحديثة وتعيد تشكيل العالم بطريقة لا يمكن التنبؤ بها ، لهذا علينا أن ندرك أهمية هذه الشبكة العالمية ونسعى لحمايتها، فهي ليست مجرد وسيلة اتصال، بل روح العصر الحديث وحجر الزاوية لمستقبل البشرية ... !! خادم الإنسانية .
مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي